لا أعرف كيف تحدث هذه الوقائع فى مصر الآن دون أن تنقلب الدنيا رأسا على عقب ودون أن نرى ردا مناسبا من الجهات المعنية على هذه الفوضى القاتلة، ففى غضون شهر واحد أعلنت وزارة الداخلية عن سرقة حوالى 90 ألف جنيه من مديرية أمن الإسكندرية، ثم سرقة ربع مليون جنيه من خزينة إدارة الحماية المدنية بالعتبة، وهى الأموال التى كانت مخصصة لصرف رواتب بعض العاملين، ثم أعلن أمس عن سرقة 59 ألف جنيه من خزينة محكمة الحسنية، بينما أكد مصدر قضائى لموقع «اليوم السابع» أن تلك المحكمة تعرضت للسرقة 6 مرات فى عامين، 4 مرات العام الماضى، ومرتين هذا العام!!
يا ضباط الشرطة يا أمن البلد، من يصلح الملح إذا الملح فسد؟
إلى من يلجأ المواطن العادى بعد اليوم؟ وكيف يطمئن الناس إلى مؤسسات الدولة التنفيذية إذا كانت المؤسسة المعنية بحماية المواطنين هى ذاتها بحاجة للحماية، لدرجة أن إحدى المؤسسات العدلية تعرضت للسرقة ست مرات فى عامين؟ ثم كيف لم يفكر السيد رئيس مجلس الوزراء فى أن تلك الأحداث المؤسفة خليقة بأن تشوه صورة الأمن فى مصر فى وقت نستجدى فيه العالم اعترافا بفاعلية الأمن المصرى رغبة فى كسر الحصار السياحى على مصر؟
للأسف المخطئ هنا واحد، والعقاب يشمل الجميع، وللأسف أيضا تشوه تلك الصورة السلبية المؤلمة جهودا جبارة يقوم بها رجال الشرطة فى محاربة الإرهاب فى مختلف بقاع مصر، وتنظيم المرور فى أقصى درجات الحرارة، وإعادة الانضباط إلى الشارع المصرى بعد أن ضربته الفوضى، والوقوف أمام عصابات التهريب وتجار المخدرات، ولذلك فإنى أعتقد أن إصلاح المنظومة الشرطية أمر بالغ الأهمية الآن، وأعتقد أن رجال الشرطة أنفسهم هم أولى الناس بالغضب من تلك الوقائع المؤسفة.
تلك الوقائع تؤكد أن العمل الشرطى الآن فى مصر يمر بأزمة حقيقية، أزمة تكشف عورة ربما كانت موجودة من زمن لكننا لم ننتبه إليها، أو ربما انكشفت، مؤخرا، فأصابت هذا القطاع الحيوى فى مقتل، ولا أريد هنا أن أكون قاسياً على رجال الأمن فى مصر لأنى على علم تام بأن بعضهم يتفانى حقا فى أداء مهماته، لكنى أيضا لا أرضى بأن تكون تلك الصورة هى صورة رجال الأمن فى مصر التى وعد الله داخليها بالأمن والأمان.