نقلا عن العدد اليومى...
«التوك توك».. لا شك أن مجرد ذكر اسم هذه الوسيلة الصغيرة من وسائل المواصلات المنتشرة فى شوارعنا يستدعى إلى ذهنك أفكار وانطباعات وتجارب مختلفة. قد يلعن الكثيرون اليوم الذى عرفنا فيه هذه الوسيلة، التى انتشرت وتوغلت فى شوارعنا ويطالبون بمنعه، خاصة بعد ارتباطه بارتكاب العديد من الجرائم، وخروجه عن الإطار والهدف الأساسى من وجوده، فبدلا من اقتصاره على الشوارع الداخلية، التى لا تستطيع وسائل المواصلات الأخرى الدخول إليها لتقليل المعاناة عن سكانها وخاصة كبار السن والمرضى، توغل التوك توك وانتشر وخرج إلى الشوارع الرئيسية ليزاحم وسائل النقل الأخرى، وهو ما ضاعف من مشكلات الطرق أو الأزمات المرورية، فضلا عن السمعة والأخلاقيات السيئة، التى يربط البعض بينها وبين سائقى التوك توك وهو ما يدفع الحكومة بين الحين والآخر لمحاولة منعه. وعلى الجانب الآخر يتعاطف الكثيرون مع تلك الوسيلة الصغيرة، التى عرفها الشارع المصرى فى نهاية التسعينيات من القرن الماضى ويؤكدون أنها تقدم حلولا لشرائح كبيرة من المواطنين وتحل جزءا من أزمة البطالة بين الشباب، الذين يوفر لهم التوك توك فرص عمل لم تعد الحكومة أو القطاع الخاص قادرا على توفيرها لعدد كبير من الشباب، لذا يفتح «اليوم السابع» ملف «عالم التوك توك» لنناقش العديد من القضايا سعيا وراء تحقيق المعادلة الصعبة، حتى يستفيد المواطن والشارع المصرى من مزاياه ويتجنب الجميع أضراره.
الحكومة «تايهة» فى «توك توك» .. قرارات المحافظين والوزراء تتعارض مع القوانين.. وخبير مرورى يؤكد: المسؤولون «مش فاهمين القانون» والحظر مخالف
لا تزال حيرة الحكومة مستمرة فى التعامل مع ظاهرة التوك توك منذ سنوات وحتى الآن ما بين التقنين والترخيص والمنع، ورغم احتدام الجدل واتخاذ المسؤولين قرارات متنوعة فإن الظاهرة ومشكلاتها لا تزال باقية تمتد وتنتشر دون حل فى ظل ابتعاد الحلول المطروحة عن أرض الواقع مما يزيد الوضع تفاقمًا.
وفى السطور التالية نستعرض الجهود الحكومية فى الفترة الماضية وآراء الخبراء فى كيفية التوصل إلى حل أمثل يرضى جميع الأطراف.
فى 26 ديسمبر 2014، قرر مجلس الوزراء، برئاسة حازم الببلاوى، تكليف وزارة المالية بمنع استيراد «التوك توك»، والدراجات البخارية كاملة الصنع، لمدة عام، ورغم سريان القرار إلا أن آثاره على أرض الواقع كانت محدودة فى ظل الانتشار الواسع للتوك توك كوسيلة مواصلات.
وفى عهد رئيس الوزراء الأسبق المهندس إبراهيم محلب، تم اتخاذ قرارات متعددة بشأن منع سير التوك توك فى المحافظات المختلفة، لاسيما الشوارع الرئيسية، نظرًا لتكرار الحوادث وشكوى المواطنين من التكدس المرورى فى الشوارع، وعلى سبيل المثال، فى 29 يوليو عام 2015، أصدر محافظ القاهرة جلال مصطفى سعيد آنذاك قرارا بحظر سير التوك توك نهائيا بشوارع وسط القاهرة، كمرحلة أولى، وتغريم من يخالف هذا القرار 1500 جنيه.
وقال المحافظ فى بيان له: إن التنسيق سيتم بين الإدارة العامة لمرور القاهرة والأجهزة التنفيذية بالأحياء المعنية للتحفظ على أى مركبة توك توك مخالفة، مضيفا أنه لن يتم تسليم المركبة إلا بعد تقديم أوراق الملكية وإقرار تعهد بعدم معاودة المخالفة وسداد الغرامة المقررة وقدرها 1500 مقابل الإيواء والحراسة، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل ولم تؤت ثمارها فى تقنين أوضاع التوك توك.
وفى عهد حكومة المهندس شريف إسماعيل، رئيس الوزراء الحالى، وفى 31 يناير الماضى، أعلن الدكتور أحمد زكى بدر وزير التنمية المحلية، خلال اجتماع المحافظين، عن بدء الإجراءات المطلوبة لوضع آلية موحدة لتسهيل ترخيص مركبات التوك توك وخطوط السير، والالتزام بقانون المرور وإصدار الترخيص اللازم له، وتحديد خطوط سير له خارج عواصم المحافظات، والعرض على رئيس مجلس الوزراء فى حالة إذ ما تطلب القانون ذلك، موضحًا أنه تم إعداد كروت لصرف البنزين للتوك توك.
ولكن كل هذا الحديث عن بدء إجراءات الترخيص لم يتعد كونه مجرد تصريحات، وأصدر اللواء كمال الدالى، محافظ الجيزة، على سبيل المثال قرارا بحظر سير التوك توك بمدينة 6 أكتوبر فى 23 مارس الماضى، معلنًا فى تصريحات صحفية، أن الهدف من القرار هو الحفاظ على الطابع الحضارى للمدينة وعدم تحويلها لمنطقة عشوائية، وأيضاً الحفاظ على أرواح المواطنين، حيث تتسبب هذه الوسيلة فى الكثير من الحوادث.
ورغم قرارات منع السير وحظر الاستيراد، أعلن مسؤولون بشعبة صناعة وسائل النقل باتحاد الصناعات المصرية عن وجود ما يقرب من 5: 4 مصانع متخصصة فى صناعة تجميع «التوك توك»، خاصة أنه يتم استيراد مكوناته من الصين والهند، ويتم تصنيعه محليا، مؤكدين أن مكاسب الصناع فى هذا المجال كبيرة تصل إلى 10 آلاف جنيه فى التوك توك الواحد. وحول المحاولات السابقة لتقنين أوضاع التوك توك أوضح اللواء مجدى الشاهد، خبير المرور فى تصريحات لـ«اليوم السابع» أن القرارات الحكومية المختلفة المتعلقة بـ«سير التوك توك» فى شوارع المحافظات يعيبها عدم الفهم للقوانين، لذلك يترتب عليها ازدياد الوضع سوءًا، ومن هذه القرارات رفض عدد من المحافظين فى أوقات سابقة السماح بترخيص «التكاتك».
وأوضح خبير المرور أن القوانين المتعلقة بتنظيم سير التوك توك منها القانون رقم 121 لسنة 2008، وتم تطبيقه بدءًا من أول أغسطس فى عام 2008، والذى تنص «المادة 5» منه على ترخيص وتوفيق الأوضاع بالنسبة للدرجات النارية ومنها التوك توك.
وأضاف خبير المرور، بعد قانون 2008 صدر قرار بقانون رقم 59 لسنة 2014 من قبل رئيس الجمهورية وورد به أيضًا توفيق أوضاع سائقى التوك توك وصدور الترخيص لهم خلال 30 يوما قابلة للمد مدة أو مددا أخرى بحسب قرار وزير الداخلية، لافتًا إلى أنه فى تعديل 59 لم يتم ذكر أى شىء بخصوص حظر سير التوك توك فى الشوارع الرئيسية!.
ولفت الخبير المرورى إلى أن المحافظين تقتصر سلطاتهم من الناحية القانونية وفقا للمادة 28 من القانون على تنظيم أمور التوك توك سواء من تحديد اللون أو أعداده فى المحافظة وتحديد التعريفة المقررة وخطوط السير وفقا للطرق المؤهلة، لافتًا إلى أن حظر سير التوك توك بشكل نهائى ليس من حق المحافظين على الإطلاق.
وكشف الشاهد عن أن توقيع المحافظين غرامات على التوك توك من تلقاء أنفسهم ليس صحيحًا بالمرة، خصوصا أن القانون ينص على التصالح مع سائقى التوك توك غير المرخص من خلال دفع غرامة قدرها 500 جنيه على أن يدفعها السائق خلال 3 أيام، لافتًا إلى أن مصادرة التكاتك أمر غير صحيح بالمرة، ودفع غرامات 3000 جنيه أو أكثر أمر غير قانونى وصحيح.
السواق ظالم أم مظلوم؟.. أصحاب التوك توك: رسوم الترخيص مبالغ فيها ونطالب بمرونة الإجراءات
يواجه سائقو التوك توك اتهامات متعددة بالبلطجة وارتكاب الجرائم والسرقات، خصوصا مع صغر سن معظمهم وتورط بعضهم فى جرائم التحرش والمعاكسات، خاصة مع وجود عدد هائل من التكاتك غير المرخصة، وهو ما يدفع الكثيرين للمطالبة بإلغائه، بينما يرى البعض أنه وجد بديلا للشباب عن البطالة، وأن إلغاءه قد يدفعهم إلى التكسب بطرق غير شرعية ويضيف المزيد إلى طابور البطالة.
«اليوم السابع» التقت عددا من سائقى التوك توك للحديث عن الاتهامات الموجهة إليهم وعن مشاكلهم وكيفية حلها.
ويرى «محمود محمد» 39 عاماً، أن الحديث عن ترخيص التوك توك من قبل الحكومة يبدو غير واقعى فى ظل فرض رسوم مبالغ فيها تصل إلى ألف جنيه، مضيفًا أنه إذا كانت هناك نية جادة لجذب أكبر عدد من السائقين للترخيص يجب أن يكون هناك مرونة أكثر فى الإجراءات وتقليل المقابل المادى المطلوب مع توفير مواقف ثابتة للتوك توك حتى لا يضطر السائقون للوقوف فى أى مكان عشوائى.
وأوضح محمود أن سائقى التوك توك مثل أى فئة فى المجتمع فيهم الصالح والطالح، والسلبيات التى يتحدث عنها الكثيرون تنطبق على فئة سائقى التاكسى والميكروباص فى ظل وجود فارق وحيد، وهو الترخيص ووجود أرقام لعرباتهم تجعل القبض على المخطئ منهم أسهل.
وأشار سائق التوك توك إلى أن الترخيص ووضع نمر للتكاتك، وتحديد عمر فوق الـ 21 عاما لسائقيه سيحد بشكل كبير من الحوادث، التى ترتكب، مضيفًا أن حظره أو محاولة إلغائه أمر خاطئ للغاية لأن الشباب سيعود إلى المقاهى، خاصة أنه فى عمره لا يملك عملا آخر سوى التوك توك فى ظل غلاء المعيشة، لافتًا إلى أن يومية التوك توك 50 جنيها فى 8 ساعات لصاحبه.
فيما علق إسماعيل أحمد «25 عاما» على ظاهرة سيطرة البلطجية على بعض خطوط التوك توك فى الشوارع المختلفة قائلا: «أى أمر عشوائى يمكن استغلاله بسهولة خاصة أن سائقى التوك توك ليس لديهم حق التقدم بشكوى، لذا يظهر البلطجية لفرض الإتاوات على السائقين»، واقترح ترخيص التوك توك من خلال تكوين جمعية لسائقيه ويدفعون 100 جنيه شهريا مقابل وضع أرقام لهم وتقنين احتياجاتهم.
التوك توك يصل البرلمان.. المجلس يطالب بغلق باب التصنيع لمواجهة أزماته.. ومبادرة فى العمرانية لتحسين إمكانياته
الحديث عن أزمات التوك توك وإمكانية وضع حلول لها لم يغب عن مناقشات النواب تحت القبة، ومع ذلك لا يزال الجميع فى انتظار المعالجة النهائية للظاهرة المتفشية فى الشوارع خلال الفترة القادمة بعد الانتهاء من الموافقة على برنامج الحكومة، وبناءً عليه نرصد الجهود البرلمانية بخصوص تلك الأزمة.
منذ أيام وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، على ثلاثة اقتراحات بمشروعات قوانين بشأن تعديل قانون المرور رقم 66 لسنة 1976، أحدها يتعلق بتنظيم سير التوك توك وغلق باب تصنيعها، والذى قدمه اللواء سعيد طعيمة، بمشروع قانون ينص على غلق باب التصنيع، ورفع بند مصادرة الدراجات النارية والتوك توك حال سيرها بدون ترخيص، أو عدم حمل هذه المركبات للوحات المعدنية المنصرفة لها أو استعمال لوحات معدنية غير خاضعة لها، والاكتفاء بالعقوبة الواردة بالقانون 166 لسنة 1973.. كما دارت الأحاديث أيضًا عن ضرورة إصدار تشريعات تجرم استيراد قطع غياره.
المقترح المشار إليه سابقًا لم يكن المحاولة الأولى للبرلمان منذ انعقاده، فقد كان طلب الإحاطة الأولى، الذى قدم بخصوص تلك الأزمة تم بمعرفة النائبة منى منير فى 17 مارس الماضى، وتحدثت وقتها فى طلب إحاطتها عن سير «التوك توك» داخل المدن بدون تراخيص من المرور، مؤكدة أن هذه الظاهرة باتت كابوسا يواجه أهالى المحافظات بشكل عام.
وفى طلب الإحاطة، كشفت النائبة أنها تنتظر اتخاذ رئيس الوزراء ووزير التنمية المحلية، قرارا فوريا لحل أزمة انتشار التوك توك فى شوارع الجيزة، التى تحولت بمثابة الكابوس لأهالى المحافظة، خصوصا مع تواجده فى الشوارع الرئيسية للمحافظة بشكل يعيق الحياة العامة والمرور داخل المحافظة فى ظل عدم امتلاك سائقى التوك توك ترخيصا لمزاولة مهنة القيادة، مما أسهم فى ارتفاع معدلات السرقة والحوادث فى المحافظة.
فى 3 أبريل الماضى، أطلق النائب إيهاب منصور، عضو مجلس عن دائرة العمرانية مبادرة «توك توك أفضل» بالتنسيق مع الجهات المعنية بالمحافظة، موضحًا أن الحملة جاءت من منطلق الاهتمام بتحسين وتطوير الخدمات المقدمة لمنطقته للعمرانية، من خلال حملات توعية لسائقى التوك توك، وتوزيع كروت طبية مجانية عليهم، إضافة إلى صيانة مجانية للتكاتك بالمنطقة.
فى 4 أبريل الماضى، تقدمت النائبة أنيسة حسونة بطلب إحاطة، موجه إلى المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، أكدت فيه أن هذا النوع من المركبات أصبح ظاهرة خارج نطاق السيطرة، مطالبة الحكومة بوقف استيرادها.
كل مكان فى مصر ينفع موقف.. التوك توك يرفع شعار «مفيش حكومة.. أنا الحكومة»
رغم حظر سير التوك توك فى الشوارع الرئيسية إلا أن السائقين لم يكتفوا بالسير، ولكن صنعوا من هذه الشوارع مواقف خاصة بهم، وكذلك أمام معظم محطات مترو الأنفاق.
«اليوم السابع» قامت بجولة ميدانية على محطات المترو فى فيصل وكلية الزراعة والملك الصالح والمطرية، ورصدت مواقف التوك توك الثابتة والمتغيرة فى حالة وجود حملات أمنية على تلك الأماكن. البداية كانت من أمام مترو فيصل، حيث اختار سائقو التوك توك الوقوف أمام بوابة الدخول مباشرة فى ظل وجود موقف للميكروباصات على جانبى المحطة، وهو ما تسبب فى تزاحم شديد يصل إلى مرحلة الشلل المرورى فى أوقات الذروة. وأمام محطة كلية الزراعة وقف ما يقرب من 10 تكاتك، وظل سائقوهم يتصارعون على الزبائن من خلال ترك مركباتهم، والوقوف أمام البوابات للنداء على الأشخاص المتدفقين من داخل المحطة. وفى محطة الملك الصالح، استغل سائقو التوك توك بعض المساحات الواسعة أمام بوابات المترو للاصطفاف على جانبى الطريق، وفى مسافات تبعد بشكل نسبى عما سبقهم من محطات. وفى المطرية حدث ولا حرج عن ازدحام الطريق أمام البوابة، نظرا لاصطفاف عدد من التكاتك أمامها بشكل مكثف.
بخلاف محطات المترو، أوجد سائقو التوك توك مكانا لأنفسهم على الشوارع الرئيسية، ومنها شارع الهرم، ففى منطقة نصر الدين أول شارع الهرم اصطفت التكاتك على جانبى الشارع من الجهة اليمنى للقادمين من ميدان الجيزة ومنه تتجه التكاتك إلى داخل منطقة مساكن فيصل وإلى جامعة القاهرة، وعلى الجهة اليسرى تتجه التكاتك إلى العمرانية وشوارعها.
موضوعات متعلقة..
"مش شغلتنا بس أحسن من قعدتنا".. التوك توك يدمر مستقبل الحرف فى مصر.. أصحاب ورش يبحثون عن "صبيان" لتوريث المهنة.. واليومية والظروف الاقتصادية تجذب محاسبين ومهندسين للتوك توك.. والدولة تغيب عن المشهد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة