فى تلك اللحظة فوجئ الفتى آنذاك بدخول والده "مدحت مرسى السيد" أو "أبو خباب المصرى"، الذراع المسئولة عن تطوير أسلحة دمار وصناعة القنابل داخل تنظيم القاعدة تحت زعامة الراحل "أسامة بن لادن"، لم يتوان الفتى عن سؤال أبيه عن كنيه هذا المعمل وتلك القوارير، ليحصل على إجابة غامضة من "أبو خباب"، فحواها "سوف تعلم إن شاء الله عندما تكبر فى السن"، غير عالم أن هذا سيكون آخر لقاء يجمعه بنجله، فقد أصبح الوالد الحاصل على بكالوريوس الكيمياء بمصر بعد هجوم الـ11 من سبتمبر على رأس قائمة الـ"سى آى إيه" للمطلوبين، واضعة مكافأة قدرها 5 ملايين دولار (ما يقارب 50 مليون جنيه مصرى) لمن يدلى بمعلومات عنه، لتتمكن أخيرًا من اغتياله بباكستان فى عام 2008.
تمكنت الصحيفة الأمريكية "واشنطن بوست" من مقابلة الشاب الثلاثينى "محمد المصرى" الذى اتخذ من سوريا موطنًا ومسكنًا، لتجرى معه حوارًا يخوض فى مستقبل التنظيمات المتطرفة والمنافسة الدامية بين تنظيمى داعش والقاعدة الإرهابيين، واسمه وتاريخ والده اللذين جعلاه محط اهتمام أغلبية التنظيمات المتطرفة، وأجهزة الأمن أيضًا.
عند وصوله إلى سوريا فى عام 2012، جذب تاريخ والد "محمود المصرى" العديد من التابعين والمريدين لنجله، وقد حاولت داعش وفقًا لرواية المصرى لـ"واشنطن بوست" الاستفادة من اسمه وتاريخ والده، وذلك بمنحه مسكنًا فى عاصمة التنظيم "الرقة"، وزوجة سعودية الجنسية فى عام 2013، لكن الأمر لم يستمر طويلاً، حيث سرعان ما بدى لتنظيم داعش صعوبة استخدام المصرى فى صراعهم ضد تنظيم القاعدة الذى انتمى له والده، وقد بدأت قيادات التنظيم الطامحة لإزاحة تنظيم القاعدة من خريطة التطرف الدولى فى التململ من المصرى، وإظهار تشككهم من صدق ولائه، ليودعوه قيد ما شابه الإقامة الجبرية داخل مدينة الرقة فى عام 2014.
قال المصرى لـ"واشنطن بوست"، إنه تمكن عن طريق أحد مريدى والده من الفرار من نير الإقامة الجبرية التى فرضتها عليه داعش، حيث يقبع حاليًا بأحد قرى سوريا الممزقة بالحرب الأهلية، وقد اشترط على محاوريه من "واشنطن بوست" عدم الكشف عن موقعه وتصويره، توجسًا من ملاحقته من قبل العديد من أجهزة الأمن، أو اقتناصه من قبل أنصار تنظيم داعش فى سوريا.
وروى المصرى مقتطفات من حياته الماضية فى ثمانينيات القرن الماضى فى باكستان، حيث انتقل والده لينضم للحرب الدائرة فى أفغانستان ضد ما عرف باسم الاتحاد السوفيتى آنذاك، حيث افتتح الوالد الكيميائى مقهى سماه "مقهى المجاهدين" بمدينة "بيشاور" فى باكستان، التى كانت محط للعديد من المقاتلين المنضمين لأفغانستان فى حربها ضد الاتحاد السوفيتى.
يقول المصرى، إنه واظب على العمل منذ بواكير طفولته داخل ذلك المقهى مع والدته وأشقائه الأربعة، وكان فى الصيف ينتقل إلى أفغانستان لملاقاة والده الذى يدير أحد معسكرات المجاهدين، متذكرًا مقابلاته العديدة مع زعيم تنظيم القاعدة الراحل "أسامة بن لادن" وملاعبته لأبنائه، ومجالسه مع زعيم التنظيم الحالى "أيمن الظواهرى"، الذى كان إلى جانب والده أحد مؤسسى القاعدة.
وشن المصرى فى معرض حواره هجومًا لاذعًا ضد داعش، منتقدًا طرق حكمها، ملقيًا اللوم على سياسات الولايات المتحدة والغرب فى تفاقم قوة التنظيم الذى أمسى أول عدو للقاعدة.
وعند سؤاله عن سبب مغادرته هو والأسرة لباكستان فى عام 1996 بشكل نهائى، قال المصرى إن القرار كان لأسباب أمنية، وقد زامن عودة بن لادن إلى أفغانستان بعد سنوات قضاها فى السودان، مؤكدًا قسوة الأيام بعد تلك المغادرة، فقد تنقلت الأسرة من بين أذربيجان وإيران لينتهى المآل ببعضهم فى السعودية، وبينهم المصرى الذى عمل كبائع لساعات يد مقلدة فى مدينة جدة، لينتقل إلى سوريا كعامل فى أحد محال الحلوى الشرقية بعاصمتها دمشق.
وقال المصرى، إنه استطاع عام 2000 استخراج وثائق يمنية مزورة لدخول مصر، لكنه سرعان ما ألقى القبض عليه ليقض 8 سنوات داخل السجن وينضم إليه شقيق أصغر له يدعى حمزة، لتقرر السلطات المصرية إطلاق سراحهم فى عام 2008 بعد اغتيال والدهما فى باكستان.
وذهب المصرى إلى سوريا عام 2012 مخلفًا وراءه زوجة وطفل، متكئًا على خبرة واسعة اكتسبها من معايشته لحياة المقاتلين فى أفغانستان، سنوات السجن التى قضاها فى مصر وسمعة والده كواحد من أهم مؤسسى تنظيم القاعدة.
ويقول المصرى، إنه سرعان ما بدأ صداقة مع "عمر الشيشانى" الجورجى الذى تلقى تدريبًا على يد القوات الأمريكية الخاصة، ليشكل معه تحالفًا تحت إمرته 800 مقاتل جورجى وروسى، لكنه قال، إنه - عمر الشيشانى - سرعان ما أغواه بريق تنظيم داعش الصاعد، وهو التنظيم الذى رأى المصرى الكثير من العوار فى سياساته وطرق حكمه، أولها تكفيره للمسلمين، ودعوته لإطلاق خلافة، وتطاوله على قيادات تنظيم القاعدة.
يكشف حوار صحيفة الواشنطن بوست، أن المصرى وجد صعوبة فى إظهار ولائه للتنظيم الصاعد، حيث واظب على التملص من المعارك التى تدار ضد تنظيم جبهة النصرة التابع آنذاك لتنظيم القاعدة، كما أنه لم يتمتع بخبرة والده الواسعة فى مجال الكيمياء وصناعة الأسلحة والمتفجرات، مما عجل بمواجهته مع قادة داعش.
وفى نهاية الحوار تمنى المصرى أن يختلف مصير أطفاله عنه، فهو لا يرغب لهم فى الحياة التى انتهجها وأشقاؤه ومن قبلهم والده.
موضوعات متعلقة:
فرنسا وإيطاليا تتحديان تنظيم "داعش" وتطلبان تنظيم أولمبياد 2024
وسائل إعلام داعش تتكتم على خبر سقوط أبو دعاء الأنصارى..على حفظى: ضربة قاسمة للإرهاب فى سيناء.. تامر الشهاوى: التنظيم يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وتطهير سيناء بالكامل من الإرهاب نهاية 2016
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة