الإجابة على هذا السؤال بالتأكيد صعبة، لكنها ليست مستحيلة خاصة إذا نظرنا للخارج ورأينا كم مصرى تألق خارج الحدود المصرية فى كل العلوم والفنون، من بينهم الدكتور أحمد زويل الذى تذكرناه فى مصر حينما حصل على جائزة نوبل للكيمياء عام 1999 كأول عربى يفوز بهذه الجائزة، وذلك لأبحاثه فى مجال كيمياء «الفيمتو»، حينما ابتكر نظام تصوير سريع للغاية يعمل باستخدام الليزر له القدرة على رصد حركة الجزيئات عند نشوئها وعند التحام بعضها ببعض، والوحدة الزمنية التى تلتقط فيها الصورة هى فيمتو ثانية، وهو جزء من مليون مليار جزء من الثانية.
قبل «نوبل» كان زويل خارج حساباتنا تماماً، خاصة أنه فى هذا التوقيت لم تكن هناك وسائل التواصل الاجتماعى ولا الفضائيات التى نستمتع بها الآن، حتى حينما بدأنا الاهتمام به تعاملنا معه بشكل أقل ما يوصف بأنه غريب، نعم تم تكريمه من الدولة والشعب، لكنه تكريم أشبه بالشو الإعلامى فقط لمن كرموه، لأنهم بعد ذلك تجاهلوه تماماً، اكتفوا بوضع اسمه على مدرسة أو شارع وتركوا أفكاره وعلمه وكأنها شيطان رجيم، فكانت النتيجة أن دولة مثل قطر حاولت الاستئثار به وبعلمه، ولولا صبر الرجل وحبه لمصر لما رأينا أى نتيجة لعلمه فى مصر، ويا ليت ذلك شفع له، فعلى العكس تماماً تمت محاربته هو ومشروعه «مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا»، ودخلت الفكرة إلى ساحات المحاكم. مات زويل ولم تستفد مصر من علمه، والسبب ليس فى الرجل نفسه وانما فينا نحن، 17 عاماً مرت على فوزه بنوبل، ونال خلال هذه السنوات احترام العالم كله، لكنه لم يلق فى مصر الاحترام الذى يليق به وبعلمه، بل ترصدته حملات التشوية التى لم تتركه حتى بعد وفاته.
قصة زويل مع مصر كفيلة بأن نكون متشائمين بشأن مستقبل العلم فى مصر، لكن أغلب الظن أن الوضع بدأ فى التغيير ويأخذ منحى جديدا، تحديداً بعد ثورة 30 يونيو، وتحول إعلان الدولة عن اهتمامها بالعلم والعلماء من مجرد تصريحات إلى واقع على الأرض من خلال مجموعة من الأفكار تم تطبيق بعضها منها على سبيل المثال بنك المعرفة، وتشكيل المجلس الاستشارى لكبار علماء وخبراء مصر، الذى يضم نخبة من علماء مصر فى مجالات التعليم العالى والبحث العلمى، والتعليم ما قبل الجامعى، والمشروعات الكبرى، والطاقة، والزراعة، والجيولوجيا، وتكنولوجيا المعلومات، والطب والصحة العامة، والصحة النفسية، والجيولوجيا، والاقتصاد، وضم هذا المجلس الدكتور أحمد زويل، والدكتور مجدى يعقوب، والدكتور نبيل فؤاد، والدكتور فيكتور رزق الله، والدكتورة ميرفت أبوبكر، والمهندس هانى عازر، والمهندس هانى النقراشى، والمهندس إبراهيم سمك، والدكتور هانى الكاتب، والدكتور محمد البهى عيسوى، والدكتور على الفرماوى، والدكتور محمد غنيم، والدكتور أحمد عكاشة.
المجلس الاستشارى لكبار علماء وخبراء مصر الذى عقد عدة لقاءات مع الرئيس عبدالفتاح السيسى كفيل بأن يغير الواقع الذى نعيشه الآن علمياً وتعليمياً، فى ظل وجود الرغبة السياسية فى التغيير، فأرض مصر مليئة بالخيرات لكنها تحتاج لمن يرعاها، وهذه الرعاية تتضمن وجود نظام تعليمى لا يعتمد على الكم وإنما الكيف، وعلى الفهم لا الحفظ، ويعطى الفرصة للأطفال لإظهار ما لديهم من مواهب بدلاً من قتلها، ورفع شأن التعليم الفنى وربطه بسوق العمل، وفوق ذلك إيجاد نظام إدارى يحترم العقول النابغة ولا يقلل من شأنها حتى لا نرى طيورا أخرى تهاجر، بالتأكيد هذا التغيير سيستغرق أكثر من عشر سنوات لكن الأمل موجود.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة