السر ليس فى الكلمات ولكن فى أثر الكلمات على تفاعل الإنسان مع الحياة
الأذكار ليست مجرد كلمات ترددها ألسنتا مثل الببغاء، من غير تفكير فيها، وفهم لدلالاتها ومعانيها، فهى بمثابة قوة شحن هائلة لأرواحنا، نتزود بها من أجل النجاح، ولا معنى لها إذا لم تتحول من مجرد كلمات إلى إرادة وأفعال وقيم وأخلاق وطاقة نجاح، هى العبادة الوحيدة التى حث الله عباده المؤمنين على الإكثار منها: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا»، «وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ»، لأن الذكر مفتاح السعادة والطمأنينة «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ».
«فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ»، أى شرف هذا الذى يحظى به المؤمن عندما يقول «لا إله إلا الله والله»، فيذكره الله فى السماء، لكننا من غير وعى حولنا الأذكار والأدعية إلى مجرد كلمات تلوكها ألسنتنا دون ترجمتها إلى أفعال، وفرغناها من معانيها الإصلاحية، لأننا نهتم بعدد مرات الذكر، دون أن نهتم بآثارها الإيجابية علينا فى حياتنا، أو نربط معانيها بأهدافها: العمل والجهد.
التحفيز على الإصلاح
يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «مثل الذى يذكر ربه والذى لا يذكره كمثل الحى والميت»، لكن أى ذكر؟.. ذكر يحرك المعانى فى عقلك الباطن فتنفذها.. عمل لرضا الله وفعل يصلح الكون.. هذا هو التسبيح الذى يريده الله منا.. فالكل يتكلم عن فضل الذكر وثوابه، لكن لا أحد يتكلم عن فعل الذكر وأثره فى الحياة، وتحويل هذه الألفاظ إلى قوة محركة لمخزون الطاقة فى النفس فى ظل عون الله، فالذكر وسيلة لإقناع العقل الباطن بخطوات إيجابية فى الحياة.
السر ليس فى الكلمات، ولكن فى أثر الكلمات على تفاعل الإنسان مع الحياة، كان النبى يستغفر فى اليوم 100 مرة، وكان يقول: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب».. لماذا؟ لأن فى الذكر عملية تصحيح مستمر للأخطاء.
والذكر من أسباب الحصول على الرزق، فعندما ملأ الفقر البلاد، قال الشافعى: استغفروا الله: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا».
عرفت البشرية أنواعا مختلفة من الذكاء: الذكاء العلمى، الذكاء المعرفى، والذكاء الاجتماعى، لكن فى عام 2000 اكتشف عالم اسمه (Emmons) ما سماه بالذكاء الروحى، ومعناه أن تتحول القيم التى يؤمن بها الإنسان فى الحياة إلى كلمات يرددها دائمًا ويعيش بها، أن توافق كلماتك قيمك الداخلية.. هذا هو الذى فعله النبى بأذكاره وأدعيته.. فهى عملية تدريب لإنعاش ذكائك الروحى.. كلمات تذكرك بقيم وأخلاق ضرورية.
تربية النبى لأصحابه على الذكر؟
«أبوأمامة» هو من باهلة، هاجر للمدينة وعمره 25 سنة، لم يجد عملاً.. تكاثرت عليه الهموم والديون.. دخل المسجد الظهر ونام حزينًا.. رآه النبى، فسأله: «مالى أراك جالسًا فى المسجد فى غير وقت الصلاة؟» وكأنه يقول له: هذا وقت عمل، فأجاب: هموم لازمتنى وديون يا رسول الله، فقال له: أفلا أعلمك كلمات إذا قلتها أذهب الله همك وقضى دينك؟ بلى.. قل إذا أصبحت وإذا أمسيت، اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبه الدين وقهر الرجال»، قال: «ففعلت ذلك فأذهب الله همى، وقضى عنى دينى»، لم يكتف بترديد دعاء النبى.. بل قال: «فقمت من المسجد بهمة ونشاط أتعلم العلم وأجاهد فى سبيل الله وأنزل السوق».
فالمعنى من الدعاء.. إزالة كل معوقات العمل والنجاح: معوقات نفسية: الهم والحزن.. معوقات جسدية: العجز والكسل.. معوقات عيوب شخصية: الجبن والبخل.. معوقات خارجية: غلبة الدين وقهر الرجال، وقد تحول أبو أمامة من شخص حزين إلى شخص سعيد وكتب عنه فى كتب السير: كان من أضحك الناس وأطيبهم نفسًا.. ليس الذكر كلمات فقط.. بل دعاء مقرون بفعل.
كيف تجعل الأذكار طاقة تحفيز للنجاح؟
مثلما علّم النبى أصحابه كيف يحولون الذكر إلى طاقة للعمل والنجاح فى الحياة، بدلاً من الاستسلام لليأس والإحباط، بإمكاننا نحن أيضًا أن نكون مثلهم، من خلال المحافظة على الأذكار والدعاء كل يوم، لكن ليس بطريقة جامدة، بل من خلال فهم وإدراك معنى الأذكار التى نرددها، والحكمة من ورائها، حين نستشعر معانى كل ذكر بالقلب والعقل معًا، وحين ردد الذكر عدة مرات بهدف إقناع العقل الباطن بتنفيذه، ويمكن أن نختار ذكرًا واحدًا كل أسبوع، نركز عليه، نفهم مضمونه، ونعمل به، نصلح به شيئًا سلبيًا، وبتلك الطريقة يكون للأذكار دور إيجابى فى الحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة