من منا لم يشعر بالخزى وعدم الأمان حينما قرأ أخبارا من نوعية: سرقة محكمة وسرقة مديرية وسرقة مقر لشرطة للحماية المدنية؟ بل من منا لم يشعر بالخوف؟ وأمام هذه الأخبار نحن بإزاء ردود أفعال ثلاثة: إما أن نكتفى بخوفنا، وإما نسخر من الشرطة ونتشفى فيها، وإما نحاول أن نستكشف مكمن العيب ومن ثم إصلاحه، وهذا هو خيارى الشخصى.
لأسف معظم تجاربنا مع الشرطة تصب فى تدعيم نظرية الشك أكثر من اليقين، وعن نفسى فإن لى تجربتين مريرتين لجأت فيهما إلى قسم الشرطة وكانت المحصلة «صفر»، فى المرة الأولى حينما سرقت سيارتى فى أبريل 2012 فى الساعة الرابعة عصرا من شارع جامعة الدول العربية، والمرة الثانية فى مارس 2013 حينما تم إطلاق عشرات الأعيرة النارية على سيارتى فى شبرا الخيمة، وفى المرتين فوجئت بأن التقدم إلى قسم الشرطة فى مثل هذه المصائب كعدمه، وفى المرتين لم يسفر المحضر عن شىء، فلم ترجع السيارة ولم يقبض على من أطلقوا النار علىّ، حتى لم تستدعنى النيابة حتى الآن لسماع أقوالى فى البلاغ ولم يكلف ضابط الشرطة نفسه بأن يعاين «مسرح الجريمة» وقت الحادث أو حتى بعده بساعات، وهو ذات الأمر الذى يتكرر كثيرا مع غالبية من أعرفهم، وهو ما يجعلنى متشككا فى الكثير من البيانات الصحفية التى تصدرها وزارة الداخلية عن ضبط تشكيل عصابى أو الإمساك بسارق ما، ليقينى بأن الصدفة أو «الأهالى» هما سبب هذا النصر المبين، فى ظل غياب الإحصائيات الدقيقة عن عدد البلاغات المقدمة إلى أقسام الشرطة فى مصر مقارنة بعدد مرات القبض على المتهمين ونسبة الحاصلين على أحكام نهائية فى تلك الجرائم، وأكاد أجزم بأنه لو أعلنت الوزارة عن مثل هذه الإحصائيات فالصدمة ستكون الحالة الوحيدة الممكنة.
آن الأوان لتصبح الشرطة المصرية مؤسسة «علمية» تعتمد على البحث العلمى المنظم، وتتبارى فى صناعة الأبحاث فى علم الجريمة، لتتحول صورة ضابط الشرطة من مجرد «بودى جارد» إلى «رجل دولة» فليس مطلوبا من الضابط بعد الآن أن يصبحوا رجالا يحملون أسلحة، ولكن مطلوبا على وجه السرعة أن يصبحوا رجالا يحملون أدلة، ينفذون القانون باعتباره «قانونا» وليس باعتباره حالة صراع، مطلوب من الشرطة أن تعتمد على جيش خفى من الباحثين الجنائيين الذى يملكون أحدث أجهزة الفحص والتحليل، مطلوب باحثين يعقدون المقارنات بين الجرائم ويحللون أساليب المجرمين بشكل علمى، ويفحصون الأدلة بأحدث الوسائل.