نحتاج إلى لغة قديمة لإعادة اكتشاف نجيب محفوظ، تضعه فى مكانه الطبيعى، فلا هو بكاتب ولا هو بأديب سخر الله الكلمات أسفل إشارة من قلمه الذى عمل ومازال يعمل وكأنه عصا سحرية.
اللغة القديمة ستضع نجيب محفوظ فى مكانه الطبيعيى حكيما وليس كاتبا، وسيطا ينقل ما توحى به السماء إلى أهل الأرض، نجيب محفوظ لم يترك لنا أدبا ولا قصصا، بل ترك دستورا من الحكمة آن الأوان أن ننظر له هكذا، وسنجد فى أثره الداء والدواء.
هذه محكمة وهذه منضدة يجلس عليها قاض واحد، وهذا موضع الاتهام يجلس فيه نفر من الزعماء، وهذه قاعة الجلسة، حيث جلست أنا متشوقا لمعرفة المسؤول عما حاق بنا، ولكنى أحبطت عندما دار الحديث بين القاضى والزعماء بلغة لم أسمعها من قبل، حتى اعتدل القاضى فى جلسته استعدادا لإعلان الحكم باللغة العربية فاسترددت للأمام، ولكن القاضى أشار إلىّ أنا، ونطق بحكم الإعدام، فصرخت منبها إياه بأننى خارج القضية، وأننى جئت بمحض اختيارى لأكون مجرد متفرج، ولكن لم يعبأ أحد بصراخى.
انتصر العدو واشترط لوقف القتال أن يتسلم تمثال النهضة الذهبى المحفوظ فى الخزانة التاريخية، وذهبت مع فريق لنحضر مفتاح الخزانة المحفوظ بالصندوق الأمين، ولما كشفنا غطاء الصندوق تبدى لنا ثعبان مخيف ينذر بالموت كل من يدنو، فتفرقنا وأنا أدارى فرحتى وأدعو للثعبان بالسلامة والتوفيق فى حفظ المفتاح.
قال الشيخ عبدربه التائه: لا يوجد أغبى من المؤمن الغبى، إلا الكافر الغبى.، سألت الشيخ عبدربه: ما علامة الكفر؟ فأجاب دون تردد: الضجر. و سألت الشيخ عبدربه التائه: كيف تنتهى المحنة التى نعانيها؟ فأجاب: إن خرجنا سالمين فهى الرحمة، وإن خرجنا هالكين فهو العدل.
الشيخ عبدربه التائه قال: عثر يوما على حقيبة تحوى كنزا من المال وفيها ما يدل على شخص صاحبها وعنوانه، وكان من المنحرفين الذين ابتليت بهم البلاد، فقررت ألا أردها إليه، وأودعتها سرا بدروم رجل فقير من أصحابنا عرف بالتقوى، وأنا لا أشك فى أنه سينفقها فى سبيل الله، ثم علمت أنه ردها إلى صاحبها، متنازلا عن حقه الشرعى فيها، فحزنت وأسفت، ثم توفى صاحبنا التقى الفقير، فهرعت إليه، وغسلته وكفنته، وحملته إلى الجامع، وصليت عليه، ولما انتهت الصلاة، لمحت بين المصلين خلف نعشه الرجل الغنى المنحرف، وهو يبكى بحرارة. واهتز فؤادى وقلت «سبحانك يا مالك الملك، تعلم ما لا نعلم، وربما جاءت الصحوة بإذنك من حيث لا يدرى أحد».
قلت للشيخ عبدربه التائه: سمعت قوما يأخذون عليك حبك الشديد للدنيا. فقال: حب الدنيا آية من آيات الشكر، ودليل ولع بكل جميل، وعلامة من علامات الصبر.
قال الشيخ عبدربه التائه: من خسر إيمانه خسر الحياة والموت.
المقاطع السابقة من أقوال الشيخ عبدربه التائه، ومن أحلام فترة نقاهة نجيب محفوظ، تحتاج منك إلى إخلاص فى التركيز حتى تستخلص روعة دستورها الإنسانى الذى يعرف جيدًا قيمة المعنى، وكيفية خلقه، حتى إنه قال فى «السكرية»: «إذا لم يكن للحياة معنى، فلم لا نخلق لها معنى، ربما كان من الخطأ أن نبحث فى هذه الدنيا عن معنى، بينما إن مهمتنا الأولى أن نخلق هذا المعنى».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة