«فيلمى الجديد لن أقدم فيه شخصية اللمبى، ولن أتحدث بطريقتى المعتادة فى الأفلام، ولكنى سأقدم شخصية عادية من المجتمع» كانت تلك هى بعض تصريحات محمد سعد، حين سأله الصحفيون عن فيلمه الذى يصوره حالياً، وكأنه أخيراً وربما بعد فوات الأوان أدرك أن تكرار أدائه وإهماله فى التنوع صرف عنه الجمهور، وأن السينما وجمهورها لم يعد يتوجه على قائمة الإيرادات، ولا حتى البقاء فى السباق فى المركز الثانى أو الثالث، وحتى حين ذهب للتليفزيون الذى لا يكلف جمهوره مشقة الخروج من بيته، ودفع ثمن تذكرة للمشاهدة، لم يستطع أن يصمد بأى عمل ويدخل أى سباق، اللهم إلا سباق أجر منحته له قناة الأم بى سى، وربما ندمت عليه.
محمد سعد، نموذج ومثال لكثيرين فى الفن، وفى مجالات أخرى، لديهم موهبة، ولكنها إما محدودة وصادفهم نجاح كبير فلم يعرفوا كيف يتعاملون معه إلا بالتكرار، متصورين أنه نجاح سيدوم على نفس الموجة، أو أنهم موهوبين حقاً ولكنهم يفتقرون للحد الأدنى من الذكاء، فيسكرهم النجاح ولا يفكرون ماذا بعد فقط يستمرون فى تكرار نفس الأمر، أو الدور أو الأغنية، ورغم موهبتهم يكونون أصحاب النغمة الواحدة، بينما الجمهور يطالب بتعدد النغمات والأغنيات والأدوار، ويصم الموهوب غير الذكى أذانه فلا يسمع إلا صوته أو أصوات تحيطه تُفقده البوصلة أكثر وأكثر. وقد يأتى أحد فيقول إسماعيل ياسين، كان ممثل الأداء الواحد، ويكاد يكون الدور الواحد، فلماذا ظل ناجحاً وحتى الآن له جمهور يحبه؟ وهذا قول غير صحيح بشكل كامل، أولاً إن اختلاف الزمان والجمهور ومعطيات الحياة لا يمكن أن يسمح بمقارنة إسماعيل ياسين بأحد الآن فكل فنان هو ابن زمنه وبيئته، ثانيا إن نجاح سُمعة كان مرتبطاً بمخرجين موهوبين وكتاب مجتهدين، ونجوم آخرين لهم شعبية إلى جواره تساند نجاحه، وعصر سُمعة ونجاحه وبقاؤه على القمة لم يستمر طويلاً.
الفنان والنجم الذكى هو من يدرك أن التغيير هو عنصر نجاحه، وأن إبهار جمهوره بالجديد هو ما يبعث فى نجاحه الروح والبقاء، فريد شوقى، مثال لنجم عاش ومات وهو بطل برغم سنين العمر، لأنه وهو وحش الشاشة قرأ تغير الزمن وعرف أن السير على نغمة واحدة ضد الطبيعة، وضد النجاح، فكان له نجاح أكبر استمر حتى نهاية عمره. ومن التاريخ أيضاً عبد الحليم حافظ، العندليب، الذى كان يسحر جمهوره موهبة وغناءً، ولكنه كان من الذكاء حين أدرك نجاح محمد رشدى المطرب الصاعد فى الغناء الشعبى وقبول الجمهور عليه، أن حول بعض من غنائه لدفة الأغانى الشعبية، مثل على حسب وداد جلبى، وغيرها، ليظل هو العندليب الذى يقرأ ما يطلبه المستمعون.
الجمهور يغفر للنجم الذى يحبه أخطاءه، مرة وثانية وثالثة، ولكن ربما عند الخطيئة الرابعة أو الخامسة يتركه وحيداً بلا سند إلا هؤلاء المقربين الذين لم يقولوا له أنه على خطأ وحتى هؤلاء قد يتركونه.
نحن فى عصر الفيمتوثانية، وبالتالى صار الجمهور كالعصر جمهوراً يولى الفنان فيمتوثانية، ثم إذا أحبطه أو كرر نفسه ولم يعد يدهشه يعطيه ظهره، فهناك آخرون متاحين والسوق لا يخلو ممن يخطبون وده وحبه. وعود على بدء ليبقى السؤال هل سيثبت الفيلم المقبل لمحمد سعد أنه موهوب خانه الذكاء، فأخطأ الحسابات كثيراً، فيغفر له الجمهور، أم أنه لا يملك إلا أن يعيش على ذكرى اللمبى وإخوانه عوكل وكركر وبشكاش وكتكوت فى حياتهم المبهدلة.