منذ أيام أقليلة، أصبحت جملة «باليه فى فيصل» من أكثر الكلمات بحثاً على الإنترنت، وصار البحث عن فيديو بالاسم نفسه من أكثر مؤشرات البحث، واهتمت الصحف المختلفة بالكتابة والتعليق على ذلك الحدث، والأمر إن كان يبدو بسيطاً ويكمن فى أن إحدى الشركات الدعائية أرادت أن تقدم شيئاً مختلفاً، فذهبت بصحبة راقصة باليه تسمى «نور» لشارع فيصل ذو الطبيعة الشعبية، وهناك قامت الفنانة برقص الباليه فى الشارع بين البيوت العادية التى يسكنها أناس يعيشون فى الطبقة الوسطى، لكنه فى حقيقة الأمر ليس حدثاً عادياً.
المختلف والذى يدفعنا للتوقف بشكل كبير هو رد فعل الناس، والذى تناولته عدة صحف ومواقع إخبارية، فلقد تقبل أبناء الطبقة الشعبية هذا الفن ولم يتعرضوا لراقصة الباليه ولا للشركة التى تفعل ذلك فى شارعهم وأمام بيوتهم.
أنا فى الحقيقة لا أعرف الغرض الحقيقى للشركة التى نظمت هذا الأمر، وهل كان البحث عن الجمال فى الشارع أم عكس ذلك، والبحث عن العنف، متوقعة أن يخرج الناس ليطردونهم، وربما يعتدون عليهم، لكن دعونا لا نهتم بغرض الشركة، ولنقم نحن بقراءة ما حدث ومحاولة إيجاد تفسير لذلك، لقد تجاوز الأمر كما قلنا معناه البسيط، وأصبح لدينا شيئان مهمان قدما صدمة حضارية للشارع الشعبى، الأول تمثل فى اختيار الفن «الباليه» فهو فن مختلف خاص يوصف بأنه نخبوى فى مصر لا يقدم إلا فى الأماكن المغلقة، والبعض لا يفرق بينه وبين الرقص الشرقى، ويرون أن راقصة الباليه هى راقصة أفراح صغيرة لم تشتهر بعد، وفى انتظار أن يزيد وزنها كثيراً حتى تستطيع أن تؤدى هذه المهمة الثقيلة، والشىء الثانى المهم هو أن هذا الفن تم تقديمه فى شارع فيصل وهو من المناطق التى تنامت فيها الأصوليات الدينية فى السنوات الأخيرة، لأنها لا تتوقف عن النمو والتمدد المكانى والسكانى.
الغريب كما ذكرنا كان فى رد فعل الناس، فالفيديو رغم وقته القليل لكن نرى من خلاله بعض السكان يشاهدون فى صمت كما ذكرت المواقع الإخبارية، أن الناس تجمعوا فى الشارع وفى شرفات المنازل للمشاهدة أيضاً، بينما قام بعضهم بتصوير الفنانة على تلفوناتهم الخاصة، إذن المصريون لا يكرهون الفن ولا يضطهدونه، فرد الفعل كشف أن داخل نفوس الناس رغبة فى رؤية الفن الجميل، وبحثاً عن الإبداع الحقيقى، وليسوا كما تقدمهم لنا الأفلام السينمائية الهابطة باحثين عن تفاهات الأشياء وساقطين فى الغرائز، هم فقط فى حاجة لمن يزيل الصدأ عن حبهم للجمال، فالشعب الذى كان يعشق أم كلثوم لا يزال كامناً تحت ركام المهرجانات التجارية، وفى حاجة لمن ينفض عنه التراب.