عفاف عبد المعطى تكتب: أخوات تاء المقهورات

السبت، 10 سبتمبر 2016 06:00 ص
عفاف عبد المعطى تكتب: أخوات تاء المقهورات الدكتوره عفاف عبد المعطى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحتاج القصة القصيرة إلى الكتابة بطريقة تسرد الفعل ورد الفعل فى آن، ولم يعد مجديا بعد سنوات ممتدة من الكتابة عن القصة القصيرة أن نذكر صعوبة الكتابة القصصية، خاصة أن مبدع القصة القصيرة عليه أن يصوغ عالما كاملا فى حفنة كلمات، وتلك صعوبة الكتابة القصصية، وذلك ما يجعل الإنتاج القصصى ليس بقدر الروائى لأن الفضاء الروائى يسمح للكاتب بمساحة كبيرة من الكتابة يسرد فيها عالماً إبداعيا برِحاً.
 
"تاء وأخواتها" كناية عن الحرف المهيض (ت) الدال على الأنثى وقد أرادت الكاتبة ريم أبو الفضل فى مجموعة "تاء وأخواتها" أن تصور كيف تجعل طبيعة كتابة التاء واقعها مؤلما فالتصاق التاء بالحروف (كناية عن الذكور) يجعل (واو الجماعة) الدالة على الجماعة الاجتماعية تذكرها بكل سوء، إنها فكرة فنتازية دعمتها طريقة الكتابة المتراتبة للقصة التى تجعل من تاء التانيث عُرضة لكل حرف نذل قد يلتصق بتلك التاء، ربما كانت تلك فكرة جديدة لكنها ليست عامة ولا يمكن تعميمها فليست كل تاء تانيث مُعرّضة للغواية وإذا أفلح الغاوى مع تاء فبالطبع لن يُفلح مع كل التاءات، أيضاً ليست كل تاء التأنيث مهيضات يمكن أن يخدعهن أى حرف نذل حتى لو استخدمت لغة القصة وأكدت على إمكانية التصاق الحرف (الذكر ) بالـ (التاء) الأنثى فإن مجازية القصة وفكرتها الجيدة لا تؤكد بالضرورة على استباحة تلك التاء.
 
كما تظهر تلك العقدة النسوية التى طبعها المجتمع والرجل على المرأة، فتاء وأخواتها ما هن إلا مجموعة من التجارب الأنثوية التى لا ينتجها سوى القهر الاجتماعى (قهر الظروف المجتمعية وقهر الرجل فى الوقت نفسه) وفى تصورى أن تلك العقدة النسويةلم ينتجها المجتمع والرجل بقدر ما رسختها المرأة ذاتها بداخلها، حيث تريد المرأة أن تكون دائما الضحية وسط ذئبين الذئب الأول عام وكبير وشامل متمثلا فى النظام الاجتماعى الذى تعيش فيه، والذئب الثانى هو الرجل ذلك السلطة الكبرى الذى لا تنبت المرأة بشفة أمامه فما هى إلا تابع صامت له، أداة يحركها كيفما يشاء، وتلك فكرة تقليدية ترسخت داخل العقل الأنثوى منذ أزمان، وإن كانت هناك طفرة من النهضة النسوية طالبت بالمساواة إلا أن المرأة لم تشعر معها أو بعدها بأية مساواة، فالغالب عليها هو الإحساس بالقهر، وما يدعم تلك الفكرة صورة السيدة "نبيلة" فى قصة تحت الصفر، نبيلة هى الواقعة تحت الصفر وفوقها معاناتها من زوجها "شهريار" الذى قصد الراوى إلا يذكر له اسما ترسيخا لفكرة التعميم تأكيدا على أن المعظم من الجنس الذكورى مثله. شهريار الذى تجلب له نبيلة السجائر والتسالى وتطبخ المحشى الذى يعترض دائما عليه ومن ثم يقدم صورة سلبية وسيئة للأم أمام ابنيها اللذين بالطبع يقلدان أباهما. فكرة تقليدية قُتلت كِتابة منذ كتابات (أمينة السعيد / سعاد زهيرى / أليفة رفعت) ولم تزد ريم أبو الفضل عليهن أى شىء حتى خيانة الزوج لزوجته نبيلة مع صديقتها نورا ثم الزواج من نورا الشخصية النقيض لنبيلة هى الأخرى فكرة متأصلة. ومن ثم أيضا يظهر أفق توقع نبيلة لسير العلاقة القائمة على القهر الذى مارسه عليها شهريار، فتنتهى القصة بتساؤل من نبيلة عن من سيقهر الآخر بعد الزواج صديقتها نورا أم زوجها السابق شهريار؟.
 
ومثل نتوء أو طائر خارج السرب؛ تظهر قصة "كرسى هزاز" عن الزوجة الأمريكية التى ذهب زوجها للحرب فى فيتنام، وبالطبع عندما كتب بيتر بروك مسرحيته الأشهر حرب الشعب فى فيتنام ظهرت فى زمنها منتقدة قرار ذهاب الجيش الأمريكى للاعتداء بالحرب على البلد الصغير فيتنام بقصد احتلالها، ظهور مسرحية بروك ملائما لحدث الستينيات وكانت تلك المسرحية من أوائل النصوص التى اعتمدتها الكثير من الدراسات المنتقدة للمجتمع الأمريكى، لكن ظهور قصة قصيرة مفادها معاناة المرأة التى اعتادت أن يُجلسها زوجها على فخذيه وهو جالس على الكرسى الهزاز وذلك الطقس العائلى الذى اعتادت الزوجة عليه بينما فارقها زوجها للمشاركة فى الحرب وتركها أسيرة لمراقبة جيرانها العرب التى طرحت صورتهم القصة فى نوع من المقارنة بين الشرق والغرب؛ الشرق الذى يفرح بالزغاريد ويلتقى ويتجمع بينما الغرب يجنح إلى الوحدة. ثم المرأة التى لا تحتمل فراشها الباردا دون رجل. القصة مكتوبة بشكل شائق لكن وجود حدثها المتمثل فى حرب فيتنام غير متلائم مع صدور المجموعة فى بدايات الألفية الثالثة. كما أن الصراع بين الشرق والغرب والفروق النوعية بينهما لا تجسدها الطقوس فحسب، بل فى الألفية الثالثة يجسدها التقدم الغربى المذهل مقابل التخلف الشرقى المدقع وهو ما يفوق رؤية قصة "كرسى هزاز". فحرب الشعب فى فيتنام كانت فى الستينيات بينما الحرب الحقيقية التى اكتسح بها الغرب الشرق هى حرب العصر الحديث حرب المعلومات والتقدم التكنولوجى الذى يجعل الشرق يلهث وراء تقدم الغرب ولا يجعل الغرب متمثلا فى المرأة الامريكية التى تراقب جارتها العربية وتنتقد تحملها لفراشها دون رجل واتهامها لها بالسحاقية فحسب. كل تلك الرؤى باتت غير مقبولة ومن الصعب تحمل وجودها فى قصة تصدر فى أول الألفية الثالثة لتنتهى القصة بعودة ديفيد كسيرا إثر مشاركته فى حرب فيتنام.
 
حالات إنسانية متباينة قدمتها الكاتبة ريم أبو الفضل فى مجموعتها "تاء وأخواتها" كامل الأوصاف الرجل الذى يتوارى خلف أفعاله الشاذة مع الأولاد بمجاملة أهل الحى الذين يصدقونه ومن ثم يقيمون له ضريحا بعد رحيله، ثم يرحل أبناء الحى خزيا مما جرى لهم على يدى الرجل، فتزداد العنوسة فى الحى كلما ازداد رحيل الشباب. وقد أحسنت لغة التورية فى القصة فى طرح الأزمة التى تسبب فيها "عم كامل" الرجل الورع أمام أهل الحى/ الشاذ فى الآن نفسه مع أبنائه الذين يرشيهم بالحلوى كى لا يفضحون أمره.
 
بقلم متدرب على الكتابة اتسمت مجموعة "تاء وأخواتها" للكاتبة ريم أبو الفضل بالتنوع والعزف على وتر اللآلام الاجتماعية التى تعانيها المرأة سواء كانت بشكل مباشر عبر القهر الذكورى أو بشكل طبقى من خلال أزمة الفقر المدقع أمام الثراء الفاحش، أو المرأة العانس نتيجة للظروف الاجتماعية التى تؤول بها إلى تلك الحالة المريرة.
 
 كل تلك الحالات المتباينة هى التى أسبغت النصوص بقدر كبير من شغف القراءة، ولئن كانت قصص المجموعة بشموليتها تقدم صورا متباينة من الغبن الاجتماعى للمرأة، فإن القضية الأساسية فى المجتمع المصرى هى قضية مجتمع يفرض شكلا ما من الحياة على كل من الرجل والمرأة وهذا الشكل هو ما يؤكد على كل منهما (ذكر كان أم أنثى) الطريقة التى يتعامل بها مع الآخر سماحة كانت أم قهراً. 








الموضوعات المتعلقة


مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة