أحمد إبراهيم الشريف

أنا وأنت و«افتكار الميتين فى العيد»

الإثنين، 12 سبتمبر 2016 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«وقلبى.. ساقية حزن سيالة، باغنى.. ما اعرف مغنى ولا عديد، زى افتكار الميتين فى العيد»، هكذا كان يرى الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى التناقض الظاهر فى الإنسان، فهو فرحان وحزين فى الوقت نفسه، وهكذا أتذكر أنا العيد قديما.
 
نقاوم النعاس بالحكايات وأحلام اليقظة فـ«ليلة العيد» فى بدايتها، وقد انتهينا منذ قليل من «عد» قروشنا القليلة ربما للمرة المائة، نعرف ما الذى سنفعله بكل ربع جنيه، يقوم أحدنا ليغسل وجهه للمرة الثالثة خلال نصف ساعة ويعود بعينين متورمتين من السهر، نخشى أن يأخذنا حمار النوم لبلاده البعيدة، فنعود متأخرين، لكن المقاومة تنهار فجأة فنسقط نائمين حتى توقظنا الملائكة، بينما قرآن الفجر يرسل نفحاته الأولى إلينا.
 
عندما يقول المؤذن «الله أكبر» نكون فى طريقنا للجبانات، لصباحات العيد فى الصعيد «نسمات» مختلفة عن أى يوم آخر، نفكر هل سنلتقى فى المقابر بمن يزيد عيديتنا ربع جنيه آخر، وعندما نصل قبل شروق الشمس بكثير يكون الناس جميعا قد سبقونا إلى هناك، فنمرر أيدينا الصغيرة على قبور أحبابنا الراحلين ونقرأ الفاتحة ونأكل البرتقال.
 
عندما أقول لأحدهم إن العيد لا بد أن يبدأ بزيارة الطيبين الراحلين ينظر لى كأننى ارتكبت إثما عظيما ويسألنى كيف يبدأ الفرح بالحزن؟ فى الحقيقة رغم أن الجبانات تكون ممتلئة بالبكاء والنحيب والصراخ لكن نحن الصبية الصغار لم يكن الحزن مسيطرا علينا بشكل كبير، على العكس كانت رؤية الراحلين مبهجة، والشعور بعدم التقصير مريحا، وهناك كنا نلتقى عماتنا وأعمامنا وبنات جميلات يبدأن يومهن الجميل من نهاية العالم.
 
أصبحت هذه الأشياء التى أقولها الآن مجرد ذكريات أكلها الزمن، فى وقتنا الراهن يستيقظ الطفل صباح العيد ليجلس أمام التليفزيون ولا يتحرك من أمامه إلا للعب أو لإنفاق كل ما فى جيبه من نقود مرة واحدة، لكن أن تحدثه عن موتى وأجداد لهم حق فلن تجد منه قبولا أو إدراكا لما كنت تفعله أنت فتصمت متمنيا أن يفهم ذات يوم.
 
اختلفت الثقافات حتى فى المكان الواحد، لا أقصد أنها تطورت، لكن ما أقصده أنها اختلفت لدرجة التناقض، وأنا لا أدين الآخرين، لكن أريد أن أخبرهم بأن التواصل مع الموتى وزيارتهم سيجعلك ثابتا فى حياتك قابضا على انتمائك لقيمك وأرضك، ستعرف أن جذورك ممتدة للبعيد فى هذه الأرض، فقبور القدامى تحكى تاريخهم وتعرفك من أنت وتفتح باب الخيال داخلك، لكنه خيال يختلف عما نشاهده فى التليفزيون لكونك مشاركا فيها، فهى حلقة طويلة وصلت إليك لكنك أصبحت عاجزا على نقلها لمستقبلك. 






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة