وعلى ذكر الحنين إلى الماضى بمناسبة العيد وبساطته وألعابه الشخصية الجرى والبمب والصواريخ البدائية، اللعب كله كان جماعيا زيارات أكثر، لقاءات أكثر، رؤية واحتكاك مشاجرات وأحزان، ملابس عيد بسيطة، لكنها مبهجة، طقوس شراء ملابس العيد نفسها كان لها وقع ولون ورائحة وموسيقى، بالرغم من بساطة هذه التفاصيل، ثم إن الأحوال المادية كانت بالكاد، ضمن حياة متوسطة، وكانت الطبقة الوسطى التى يتحدثون عنها بحنين، ويفتقدها البعض، طبقة عريضة من الموظفين ومتوسطى الحال دخلها يكفيها بالكاد مع الكثير من الجمعيات والتدبير والخصم والإضافة.
اليوم المطالب والاختيارات تضاعفت، لم يعد السؤال عن الثلاجة والتليفزيون والغسالة والدش، وهناك ميزانية للموبايل والإنترنت، ولم يعد الموبايل للرد والكلام، بل لأغراض كاملة ينام عليها المرء ويصحو، أفراد أشبه بمن كانوا يحتلون الكابينة فى السنترالات القديمة.
مواطن «عوالمى» يتحدث مع مجهولين لا يعرفهم ويظن نفسه يعرفهم، يبادلهم الحنين والغضب والنكات عن اختفاء النكات، ويكفى أن المواطن يستعرض كلاكيع الفريندز وما يطلقونه من تنهيدات وأخبار سيئة وكآبة، لتصطبغ الاصطباحة باللون الداكن، ويكفى أن يخرج أحد عمقاء الاستعماق الوجودى ليطلق بوستا عن أن السعادة اختفت، وأن وجوه الناس كالحة وكئيبة حتى تنتقل العدوى مع أنه لا يرى سوى الشاشة ويستمد مشاعره من شاشته، وتصدر أحكام عن الحزن اللانهائى وانتشار الكآبة، ضمن ثوابت التنظير الجاف.
مع ملاحظة أن كثيرين ممن ينشرون نظرياتهم، يعتمدون على بوستات مجتمعهم الضيق من «فريندز» مختارين متفقين غالبا، أى أنهم ينقلون عنعنات سوشيالية، مثلما يستهلكون الشائعات ويعلقون عليها ويبنون عليها نظريات ونتائج، بينما المقدمات خاطئة ومشوشة.
ويعرف متابعو الصحف من الثمانينيات مقولات عن اختفاء النكتة وتراجع البهجة، وبعضها مع صحته يرجع لتفاصيل الازدحام وكثرة الانشغالات، وتراجع الاتصال المباشر، لصالح التهانى عبر الرسائل القصيرة، والواتس والصور والفيديوهات والنكات الجاهزة.
ومن عاشوا من الستينيات عاصروا أن زيارات العيد كانت تتجاوز العشرات، طوال يومين أو ثلاثة، وأن الشوارع كانت أكثر رحابة، وأوقات الفراغ أطول تمنح فرص الدردشة وصناعة الذكريات الحقيقية وليس المعلبة مثلما هو جار الآن، حيث تتضاعف أدوات الاتصال وتزداد معها العزلة والوحدة، ويبقى الحنين حتى فى صورة بوستات وكلاشيهات محنطة.
المؤكد الحنين أصبح أسرع، فأجيال السبعينيات تحن لثلاثة عقود وأكثر، بينما الحنين الآن إلى سنوات قريبة تلتهمها التطورات الجارية.