ظهر فى السنوات الأخيرة مصطلح «غسل الأموال» أو «تبييض الأموال»، وهو يعنى تحويل حصيلة التجارة غير المشروعة كتجارة المخدرات والأسلحة والآثار والعمليات التى تقوم بها عصابات الجرائم المنظمة والعابرة للحدود إلى أعمال مشروعة، كإقامة مصانع وشركات، والمشاركة فى أعمال الخير، وغيرها من الأعمال التى تهدف إلى إضفاء الشرعية القانونية على الأموال المستخدمة فى تمويلها، فى محاولة للتهرب من رصد الأجهزة المعنية وملاحقتها، وهى فى الحقيقة ممارسات مخالفة للشرائع والقوانين؛ حيث تتخذ المشروعات أو الأنشطة الجديدة غير الممنوعة فى الغالب ستارًا تمارس من ورائه تلك العمليات المحرمة شرعًا والمجرمة قانونًا، وفى بعض الأحيان يحول بعض معتادى الإجرام أنشطتهم إلى أنشطة مشروعة، مع التخلى الكامل عن النشاط الإجرامى، ربما لشعورهم بتضييق الخناق عليهم، وقرب الإيقاع بهم من قبل الجهات المعنية، وربما سعيًا إلى حياة نظيفة وبداية جديدة.
وليعلم الجميع أن الأموال التى جُمعت من حرام تبقى حرامًا، وإن استُخدمت استخدامًا نظيفًا فى التجارة المشروعة وأعمال الخير، فيما يعرف بعمليات غسل الأموال، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا، والمال القذر غير المشروع لا ينظف، ولا يصير مشروعًا باستخدامه فى نشاط مشروع، فأموال المخدرات والخمور ونحوهما أموال ملعونة، فالخمر ملعون عاصرها وبائعها وحاملها وشاربها، وهى «رجس من عمل الشيطان»، فكيف يطهر مالها بجعله رأس مال تجارة مشروعة؟!، وهل يطهر المال المسروق إذا حوله السارق إلى الاتجار فى الأدوات المنزلية أو الكهربائية أو المواد الغذائية أو غيرها؟!، وهل يمكن لأموال جُمعت من بيع السلاح بهدف قتل الأبرياء أن تتحول إلى أموال مشروعة، خاصة إذا علمنا أن من باع وسيلة من وسائل القتل وهو يعلم نية مشتريها فى استخدامها لقتل الناس دون حق يعد فى شرعنا شريكًا فى القتل، آيسًا من رحمة الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقى الله مكتوبًا بين عينيه آيس من رحمة الله»؟!، فما بالنا بمن أعان بالسلاح والمتفجرات القاتلة؟!
وما قيل عن أموال المخدرات وتجارة الأسلحة والآثار يقال أيضًا فى الأموال المختلسة، والتجارة الربوية، وأعمال الدعارة، وغيرها من الأعمال المخالفة شرعًا وقانونًا، فهذه الأموال غير قابلة للتنظيف أو الغسل، وإن كان يُحمد فعل من ترك تجارته المحرمة طلبًا لحياة شريفة، بعيدًا عن الإضرار بالناس، ولكن عليه أن يعلم أن ثمن التوبة الصادقة هو الندم الشديد على سلوكه مسالك محرمة، وعزمه الجاد على عدم العودة إلى سابق عهده أبدًا، ليس خوفًا من ملاحقة الجهات المعنية، ولكن لقناعته بحرمة وجرم ما كان يفعله، ورغبته الأكيدة فى العودة إلى صراط الله المستقيم، وإطعام أهله وذويه من الحلال الطيب.
ومن ثم، فمن علم أن فى ماله حقوقًا للغير، كأموال حصّلها بطريق الاختلاس أو النصب وخداع الناس أو السرقة، فعليه أن يردها إلى أصحابها، وإن كانت هذه الأموال محصّلة من تجارة المخدرات والأسلحة والدعارة وغيرها، فعليه أن يتخلص من هذه الأموال ويقطع صلته بها، وذلك بتوجيهها إلى أعمال الخير دون أن ينسب إليه فضلها، ولا أن يجعلها فى جمعيات أو مشروعات تحمل اسمه، فلا أجر له ولا فضل، لأنها ليست له فى الحقيقة، أما إن كانت له أموال لا علاقة لها بالتجارة المحرمة، كالأطيان والعقارات والمنقولات والأموال الموروثة أو الموهوبة، أو غيرها من الأموال التى لا علاقة لها بمجالات تجارته الممنوعة، فليس عليه التخلص منها، لأنها أموال نظيفة فى أصلها لم تلوث بالمال الحرام الذى حصّله من هنا وهناك، وعليه إن كان صادقًا فى توبته أن يبحث له عن عمل شريف يدر عليه دخلًا حلالًا وإن كان قليلًا، فكل جسم نبت من حرام فالنار أولى به.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة