بعد تعثر شركات تنقيب المعادن بالصحراء الشرقية لمصر، فى البحث عن الذهب فى باطن الجبال، أو فى أعماق الصحراء، كشف تحقيق لـ«اليوم السابع» أن المعدن النفيس فى طين الدلتا وأرضه الزراعية، وهو ما يعد أمرا جديدا لم يتداول من قبل..
فى هذا التحقيق تكشف «اليوم السابع»، عن وجود تركيزات من خام الذهب مصحوبًا بخامات أخرى مثل الفضة والحديد والنحاس والقصدير، على أعماق سطحية لا تتجاوز الـ70 سم ولا تزيد على 10 أمتار، فى قرية العزبة الحمراء، إحدى قرى مركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، وذلك بعد إجراء ثلاثة تحليلات رسمية بالمركز القومى للبحوث، والمعامل الرئيسية لهيئة الثروة المعدنية، التى أكدت جميعها وجود الذهب بنسبة متفاوتة تتراوح بين نصف جرام فى الطن و10 جرامات للطن، وهى النسبة التى تعد جيدة، خاصة أنها تبدأ فى الظهور بعد نصف متر من سطح الأرض.
ما يكشف عنه التحقيق أيضا أن ما تم العثور عليه فى منطقة العزبة الحمراء، من ذهب ومعادن أخرى، يتكرر فى عدة قرى قريبة داخل مركز الحامول، وقرى أخرى مجاورة له، وهو ما يشير إلى إمكانية العثور على نهر من الذهب خاصة أن منطقة الدلتا تكونت نتيجة ترسبات النيل القديم، وقد يمتد النهر ليشمل مدن الدلتا.
العزبة الحمراء.. من زراعة الأرز للتنقيب عن الذهب
على بعد 150 كيلومترا من القاهرة، تقبع العزبة الحمراء التابعة لمركز الحامول بمحافظة كفر الشيخ، العزبة التى لا يتجاوز عدد سكانها نحو 2000 نسمة تقريبا، تتراص منازلها بطريقة عشوائية وسط الرقعة الزراعية، وتعد زراعة الأرز هى المهنة الأساسية لأهلها، إلا أن الحال تبدل لعدد من سكانها خلال الأشهر القليلة الماضية، فبدأ عدد منهم فى التنقيب عن الذهب والآثار فى باطن الأرض، إما داخل الأراضى الزراعية، وإما داخل منازلهم.
على عتبات منزله، يجلس «حسين» ذو الملامح الريفية، متحدثا بلهجة قروية عن حقيقة وجود الذهب فى القرية التى تعود إلى اكتشاف أحد أهالى القرية بريقًا فى تراب أرضه التى يقوم بحفرها من أجل إنشاء بيته بالخرسانة المسلحة، ولم يمانع حسين فى اصطحابنا إلى موقع الأرض التى يدعى أهالى القرية وجود الذهب بها، مضيفا أنه بسبب الحفر فى هذه الأرض قام عدد من الأهالى بالحفر فى منازلهم على أمل العثور على الذهب.
العديد من أهالى القرية الذين خسروا أموالا من وراء التنقيب والبحث عن الثراء فى باطن أرض القرية ومن بينهم «جمال»، هكذا سمى نفسه، الذى تحدث بعد وعد بعدم الكشف عن هويته مقابل أن يروى تفاصيل ما حدث معه.
فى منزله المكون من طابقين لا تبدو عليه علامات الحداثة، يقبع جمال فى أحد غرف منزله، غير ممهدة الأرضية يفرغ من غدائه متجها إلى مكان الحفر فى غرفة ملحقة بالناحية الخلفية للمنزل، وتبدو فيها إحدى حوائط المنزل مائلة، قائلا: خلال نحو 4 أشهر تقريبا بلغ عمق الحفر نحو 15 مترا، وكان الحفر متقطعا حتى لا يشعر به أحد من الجيران، فى هذه الأثناء كانت شائعات أن الأرض تحمل خام الذهب قد غزت القرية، وهو ما شجعنا على الحفر حتى نصل إليه، هكذا يكمل «جمال»، مضيفا: «تكبدت مبالغ مالية تفوق قدرتى على استكمال الحفر، ففى 6 أشهر تقريبا أنفقت نحو 60 ألفا على مأكل ومشرب ومبيت 10 عمال، بالإضافة إلى معدات الحفر»، بحسب ما يقول، إلا أن تأخر العثور على الذهب، وقرب انهيار منزله، والتكلفة الضخمة، كانت أسبابا منطقية وكافية لأن يقرر الرجل إنهاء ما بدأه.
أرض الدياسطى.. الخيط الأول للذهب
على بعد خطوات قليلة من منزل «جمال»، كان سمير الدياسطى، «فلاح»، قد قرر بناء منزل خرسانى له وسط أرض زراعية، إلا أنه شاهد ترابا مختلفا من ناتج الحفر، فقرر تعميق الحفر، إلا أن هشاشة التربة كانت تتسبب فى كل مرة فى حدوث انهيارات جانبية داخل موقع الحفر، بما يتسبب فى تعطيل العمال، وهو ما اضطر معه المقاول، إلى إسقاط مواسير خرسانية داخل مكان الحفر حتى يستطيع من خلالها إكمال عمله يدويا. «الطين المستخرج من أسفل الماسورة لم يكن عاديا» بحسب ما يصف أحمد جاد، المقاول المسؤول عن الحفر، ويضيف: «كان ذا كثافة عالية، يميل إلى طبقة شحمية تزيد كلما زاد العمق، كما يزيد البريق أيضا»، ويكمل: «شاهدت ألوانا مختلفة للتربة منها طبقة تميل إلى اللون البنى، وأخرى سوداء، ثم طبقة تميل إلى لون الكُحول وهى الطبقة التى يزداد فيها اللمعان، بالإضافة إلى أحجار رصاصية اللون».
ويصف المقاول طبقات التربة بموقع الحفر بقوله: «تشكلت من عدة طبقات مختلفة، الأولى تحتوى على الزرع، وهى طبقة لا يتجاوز سمكها 50 سم تقريبا، ثم كان لون طبقة أخرى يصل سمكها إلى 5 أمتار، يميل إلى اللون البنى المحروق، ثم طبقة جديدة زيتية «شحمية» يصل سمكها إلى متر، وهى الطبقة التى كانت محمولة على طبقة من الماء، ويكمل: «على بعد 10 أمتار كانت هناك طبقات هشة لا يصل سمكها أكثر من 10 سم إلى 20 سم، ثم طبقة مثل الكحول».
المركز القومى للبحوث يقطع الشك باليقين
وسط حالة الجدل التى خلقها ناتج الحفر لم يكن أمام المقاول أحمد جاد، سوى إقناع صاحب الأرض بتحليل عينة من أرضه فى المركز القومى للبحوث، لقطع الشك باليقين. على أبواب المركز القومى للبحوث، وقف مقاول الحفر ممسكا بكيس بلاستيكى أسود اللون بداخله كمية من التراب، طالبا من أحد المختصين بقسم طيف الامتصاص الذرى بوحدة التحاليل والخدمات العلمية المركزية التابعة للمركز، تحليل محتويات التراب بين الذهب والفضة والنحاس، بعد أن سدد الرسوم المقررة لذلك.
بعد أقل من أربعة أيام تقريبا كان التقرير جاهزا، وحصلت «اليوم السابع» على نسخة منه، وجاء فيه: «ورد لمعمل الامتصاص الذرى عدد واحد عينة تربة، لتقدير عناصر الذهب والفضة والنحاس، وتم عمل التحاليل المطلوبة باستخدام طريقة لهب الامتصاص الذرى FAAS، وكانت النتيجة، بحسب ما جاء فى التقرير، نسبة الذهب 10.25 جرام فى الطن، والفضة 5.8 جرام فى الطن، فيما كانت نسبة النحاس 14.29 جرام فى الطن، وحمل التقرير اسم المشرفين عليه، وهما دكتور عماد الأشقر، المشرف على القسم، بالإضافة إلى باحث مساعد صفاء سعيد.
وتواصل «اليوم السابع» مع الباحثة صفاء سعيد، بقسم الامتصاص الذرى بالمركز القومى للبحوث، التى أكدت أنها قامت بتحليل العينة الواردة لها عن طريق إجراء القياس بجهاز لهب الامتصاص الذرى وتم التوصل إلى النتائج السابقة الواردة فى التقرير.
عينة واحدة من الذهب لا تكفى
يتطابق ما قالته الباحثة مع التقرير الصادر عن المركز مع ما يقوله المقاول، ولمزيد من التأكد قررت «اليوم السابع» تحليل عينة أخرى داخل معامل هيئة الثروة المعدنية المختصة بكل ما له علاقة بالمعادن المستخرجة من باطن الأرض، ولكى نستطيع الحصول على عينة من الأرض، كان يجب الذهاب إلى سمير الدياسطى للموافقة على ذلك بهدف الوقوف على نتائج ثانية ومؤكدة للعينة الأولى.
وبعد عدة أيام من تسليم العينة بمعامل هيئة الثروة المعدنية، قال الكيميائى عبد الهادى أمين، مدير عام الإدارة العامة للمعامل الكيميائية بمعامل هيئة الثروة المعدنية، فى اتصال هاتفى، إنه أنهى التحليل ووصلت نسبة الذهب فى العينة إلى نحو 3.4 جرام فى الطن، مؤكدا إمكانية تسلم التقرير فى صباح اليوم التالى.
بعد الذهاب إلى الهيئة كانت المفاجأة، حيث قال الدكتور ماهر أبوالفرج، رئيس الإدارة المركزية للمعامل بهيئة الثروة المعدنية، أنه قرر إعادة العينة للتحليل مرة أخرى عن طريق ثلاثة تحليلات، هى: تحليل الفاير أسى Fire Assay، أو المعايرة بالنار، وأيضا تحليل العينة بواسطة جهاز التحليل الكتلى ICP، بالإضافة إلى تحليل الامتصاص الذرى، وتابع أن التحليلات الثلاثة ستعطى نتائج أكثر وضوحا ومصداقية للعينة، وأضاف أن ذلك سيستغرق نحو أسبوع إضافى.
قبل أن ينقضى الأسبوع المقرر للحصول على نتائج العينات من معامل هيئة الثروة المعدنية، تلقت «اليوم السابع» اتصالا هاتفيا من رئيس المعامل قال إن إمكانية العثور على ذهب فى الأراضى الزراعية هو أمر غير منطقى، وتابع أن الهيئة قررت تشكيل فريق بحثى للحصول على عينات من موقع الحفر الأصلى بكفر الشيخ، حتى يتسنى لهم التأكد من الأمر.
«اليوم السابع» ترافق بعثة الهيئة وتطلع على نتائج العينات
فى صباح الخميس 18 أغسطس الماضى، رافقت «اليوم السابع» الفريق البحثى لهيئة الثروة المعدنية، المكون من مدير عام الاستكشاف بهيئة الثروة المعدنية الدكتور مصطفى حمادة، بالإضافة إلى الدكتور رمضان هارون، استشارى التعدين والجيولوجيا التطبيقية، ومدير عام التفتيش بالهيئة المهندس مصطفى الشحات، إلى موقع الحفر بكفر الشيخ.
استغرق حصول فريق العمل على العينات نحو 3 ساعات تقريبا، بدأها رئيس الفريق بتدوين بيانات موقع الحفر من خلال الإحداثيات التى أظهرها جهاز الـ«جى بى إس»، ثم قام بمطابقة البيانات مع الخرائط التى بحوزته، فيما قام مدير عام الاستكشاف بالهيئة بالحصول على 8 عينات سطحية لا يتجاوز عمقها نحو 50 سم تقريبا عن سطح الأرض، بالإضافة إلى 9 عينات على عمق 70 سم تقريبا، وعدد 2 عينة من عمق 3 أمتار تقريبا، وقام بترقيم العينات، وفور انتهاء الفريق من الحصول على العينات غادر الموقع إلى مقر هيئة الثروة المعدنية تمهيدًا لتحليل العينات لإصدار تقرير بنتائجها. ووفقًا لما قاله رئيس الإدارة المركزية للمعامل بهيئة الثروة المعدنية، فإن العينات الـ8 التى تم سحبها من الأرض بواسطة فريق الهيئة، من على عمق لا يتجاوز 50 سم، كانت نتائجها سلبية تماما، بينما العينات الـ9 التى سحبها من عمق 70 سم، كانت نسبة الذهب فيها من 0.1 – 0.8 جرام فى الطن.
ويضيف «أبوالفرج»، أنه لم يتم الانتهاء من التحليل الخاص بالعينة التى تم سحبها من عمق 3 أمتار، موضحا أن تحليلها لم يكن للتعرف على وجود الذهب فقط، ولكن التحليل سيشمل أيضا التعرف على إمكانية وجود العناصر النادرة والثقيلة فى العينات، مؤكدا أن النتائج النهائية للعينة ستظهر بعد عدة أيام.
بعد عدة أيام، قال رئيس الإدارة المركزية للمعامل بهيئة الثروة المعدنية، إن العينات العميقة تم تحليلها وكان متوسط وجود الذهب فيها يصل إلى 0.5 «نصف جرام» فى الطن، مشيرًا إلى تشابه نتائج العينات من عمق 70 سم مع العينات العميقة ذات عمق يصل إلى 3 أمتار بسبب تشابه خصائص طبقة التربة.
ما كشفت عنه نتائج التحاليل تشير إلى أنه يمكن استخراج تركيزات جيدة من خام الذهب إذا ما تم تعميق الحفر، خاصة أن البيانات الرسمية من منجم السكرى، الذى يعد واحدا من أكبر مناجم العالم فى إنتاج الذهب، تشير إلى أن المؤشرات الإيجابية لبدء العمل داخل المنجم بدأت باستخراج 1.25 جرام ذهب لكل طن صخور، من عمق 41 مترا، وعلى عمق 65 مترا كان تركيز الذهب بالصخور يعادل 2.24 جرام لكل طن، فيما قال المهندس سامى الراجحى، مؤسس منجم السكرى، فى تصريحات صحفية، إن العمل بالمنجم سيصل إلى عمق 3 كم.
نفس الخامات تظهر فى قرى أخرى
لا يقتصر مشهد ناتج الحفر ذى البريق على عزبة القرية الحمراء فقط، ولكنه وفقا لما يقوله أحمد جاد مقاول الحفر، يتكرر فى عدد آخر من قرى محافظة كفرالشيخ، من بينها قرية الأبعادية القريبة من العزبة الحمراء، وأيضا فى قرية الثابت بمركز الرياض، وقرية الأون بمركز سيدى سالم.
اللواء مصطفى راضى حامد، مدير عام مشروع دعم وتنمية الخدمات السابق بمحافظة كفر الشيخ، قال إن تفسيرات وجود الذهب فى المحافظة ليست خيال، ولكن يمكن تصديقها فى ظل ما يعرف بترسبات النيل القديمة من هضبة الحبشة، موضحا أن هناك حقائق علمية تؤكد أن كل أنهار الأرض بها تركيزات مختلفة من خام الذهب وخامات أخرى نادرة، مشيرا إلى أنه لو تم جس الأرض فى أماكن أخرى سيكون هناك نتائج جديدة للعثور على الذهب.
وتابع أن نتائج العينات قد تقودنا إلى اكتشاف نهر من الذهب والعناصر الأخرى بعرض يصل إلى 7 كيلومترات، وبطول يزيد على 50 كيلومترا ينتهى عند ساحل البحر المتوسط، متابعًا أنه أعد تقريرا بنتائج تحليل العينات الصادرة من المركز القومى للبحوث إلى محافظ كفر الشيخ الحالى سيد نصر، إلا أن التقرير لم يتحرك حتى الآن من أدراج المحافظة.
«النسبة التى تم إثباتها من خلال تحاليل معامل هيئة الثروة المعدنية التى تصل إلى 0.8 جرام للطن من عمق 70 سم نسبة جيدة» هكذا قال مصدر، رفض ذكر اسمه، من داخل هيئة الثروة المعدنية، خاصة أنها تعبر عن عينات سطحية، وقال إذا كانت العينات اقتصادية فإنها ستغير مصر تماما.
وتابع، إذا ما تمت مقارنة نتائج العينات بنظيرتها فى منجم السكرى، فإن التكلفة ستكون أقل، لأن العمل داخل السكرى معقد للغاية ومكلف، حيث يتم استخراج الذهب من باطن الصخور بعد تفتيتها بمتفجرات شديدة الانفجار، ويتم تكسير الصخور عبر كسارات دوارة عملاقة لخفض حجم الصخور، ثم تنقل الصخور عبر ناقل إلى مرحلة الطحن، حيث تستخدم مطاحن كبيرة لخفض الحجم بدرجة أكبر، ثم تنقل الصخور المطحونة فى صورة شبه صلبة إلى خزانات الاستخلاص، موضحا أن هذه العملية المعقدة تستهدف استخلاص أقل من 1.5 جرام ذهب من كل طن يتم طحنه من هذه الصخور. رئيس الإدارة المركزية للمعامل بهيئة الثروة المعدنية الدكتور ماهر أبوالفرج، قال إن الأمر لن يقتصر على العينات السابقة، ولكن ستكون هناك خطوات أخرى سيتم البدء بها، على رأسها سحب عينات شبكية تشمل المساحات كلها، ثم تقدير الجدوى الاقتصادية لمخزون الذهب فى الأرض.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة