فى حكمها الصدر بشأن أهم قضايا البيئة، أكدت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية الدائرة الأولى بالبحيرة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة أن الموارد الطبيعية مملوكة للشعب وتلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها مراعاة لحقوق الأجيال القادمة لا ردمها، وأن رئيس الوزراء ليس من حقه ردم الملاحات وتخصيصها لإقامة سجن عليها وتأمر بوقف أعمال الردم فور صدور الحكم.
وأكدت أن المشرع الدستورى حظر على السلطة التشريعية ذاتها أصدار أى تشريع ينال أو ينتقص من الموارد الطبيعية للدولة ويمتنع من باب أولى على السلطة التنفيذية، ولو فى قمة رئاستها المساس بتلك الموارد الطبيعية أو الاعتداء عليها كما اكدت على أن اى تصرف فى الملاحة أو أى جزء منها بما يغير من طبيعتها والبدء فى ردمها لإقامة سجن مركزى عليها يمثل عدوانا على الملكية العامة للشعب واغتصابا لها، ولا يتصور قانونا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار فى محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها وأكدت كذلك على أن الفكر الدستورى والقانونى الحديث انتهى إلى أن التطور الإيجابى للتنمية، لا يتحقق بمجرد توافر الموارد الطبيعية على اختلافها، بل يتعين أن تقترن وفرتها بحسن استغلالها الرشيد وبالاستثمار الأفضل لعناصرها وأن الملاحات من بين هذه الموارد وأكثرها نفعا وأن الانسان فى الفكر البيئى الحديث ليس سيدا للبيئة ولا حاكما عليها بل خادما لها.
وقضت المحكمة برئاسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين صالح كشك ووائل المغاورى نائبى رئيس مجلس الدولة بقبول الدعوى المقامة من فارس محمد عبد الواحد شكلاً ومعه 75 متدخلا من أهالى البحيرة، وبإلغاء قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3455 لسنة 2015 المطعون فيه فيما تضمنه من تخصيص قطعة ارض املاك دولة بمساحة عشرة افدنة الكائنة بملاحة الجزيرة غرب الطريق الدائرى بمركز ادكو بالحدود الواردة بهذا القرار بمحافظة البحيرة لصالح وزارة الداخلية بالمجان لإقامة سجن مركزى عليها، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف أعمال ردم ملاحة الجزيرة محل هذا القرار فور صدور هذا الحكم بحسبان الملاحات موردا طبيعيا للدولة مملوكا للشعب، تلتزم بالحفاظ عليه وحسن استغلاله وعدم استنزافه طبقا للدستور ومراعاة حقوق الاجيال القادمة فيه، وذلك كله على النحو المبين بالأٍسباب وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.
قالت المحكمة إن المشرع الدستورى نص على أن موارد الدولة الطبيعية ملك للشعب، وفى سبيل هذه الملكية العامة لموارد الطبيعة ألزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها، كما الزم الدولة بالعمل على الاستغلال الامثل لمصادر الطاقة المتجددة وتحفيز الاستثمار فيها وتشجيع البحث العلمى المتعلق بها، وعلى الدولة أن تعمل على تشجيع تصنيع المواد الأولية وزيادة قيمتها المضافة وفقا للجدوى الاقتصادية ولم يجز المشرع الدستورى لأى سلطة فى الدولة بما فيها السلطتين التشريعية والتنفيذية التصرف فى أملاك الدولة العامة، وألزم أن يكون منح حق استغلال الموارد الطبيعية أو التزام المرافق العامة بقانون ولمدة لا تتجاوز ثلاثين عاما كما يكون منح حق استغلال المحاجر والمناجم الصغيرة والملاحات أو منح التزام المرافق العامة لمدة لا تتجاوز خمسة عشر عاما، بناء ايضا على قانون ومن ثم فلا يجوز لأى سلطة تغيير طبيعة الموارد الطبيعية وإنما عليها الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها بالعمل على حسن استغلالها وعدم استنزافها ولا مرية فى أن القضاء على الموارد الطبيعية وإزالتها ومنها ردم الملاحات يعد استنزافا لها كمورد طبيعى وماسا بحقوق الأجيال القادمة التى أوجب الدستور على كافة السلطات التصون لها وحمايتها وحسن استغلالها بل جعلها كملكية عامة حرمة لا يجوز المساس بها.
وأضافت المحكمة أن الدستور هو القانون الأساسى الأعلى الذى يرسى القواعد والأصول التى يقوم عليها نظام الحكم ويحدد السلطات العامة ويرسم لها وظائفها ويضع الحدود والقيود الضابطة لنشاطها ويقرر الحريات والحقوق العامة ويرتب الضمانات الأساسية لحمايتها، ومن ثم فقد تميز الدستور بطبيعة خاصة تضفى عليه صفة السيادة والسمو بحسبانه كفيلا للحريات وموئلها وعمادا للحياة الدستورية وأساس نظامها، وحاميا للموارد الطبيعية باعتبارها ملكا للشعب وحق لقواعده أن تستوى على القمة من البناء القانونى للدولة وتتبوأ مقام الصدارة بين قواعد النظام العام باعتبارها أسمى القواعد الآمرة التى يتعين على الدولة التزامها فى تشريعها وفى قضائها وفيما تمارسه السلطة التنفيذية، ودون أى تفرقة أو تمييز - فى مجال الالتزام بها - بين السلطات العامة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ذلك أن هذه السلطات كلها سلطات مؤسسة أنشأها الدستور، تستمد منه وجودها وكيانها وهو المرجع فى تحديد وظائفها، خاضعة لأحكام الدستور الذى له وحده الكلمة العليا وعند أحكامه تنزل السلطات العامة جميعاً والدولة فى ذلك إنما تلتزم أصلاً من أصول الحكم الديمقراطى، هو الخضوع لمبدأ سيادة الدستور، وهو ما حرص الدستور القائم على تقريره بالنص فى المادة 94 منه على أن "سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة وتخضع الدولة للقانون..." ولا ريب فى أن المقصود بالقانون فى هذا الشأن هو القانون بمعناه الموضوعى الأعم الذى يشمل كل قاعدة عامة مجردة أيا كان مصدرها، ويأتى على رأسها وفى الصدارة منها الدستور بوصفه أعلى القوانين وأسماها، وإذ كان خضوع الدولة بجميع سلطاتها لمبدأ سيادة الدستور أصلاً مقرراً وحكماً لازماً لكل نظام ديمقراطى سليم، فإنه يكون لزاماً على كل سلطة عامة أيا كان شأنها وأيا كانت وظيفتها وطبيعة الاختصاصات المسندة إليها الامتثال لقواعده، وإذا حظر المشرع الدستورى على السلطة التشريعية ذاتها إصدار أى تشريع ينال أو ينتقص من الموارد الطبيعية للدولة فانه من باب أولى يمتنع عن السلطة التنفيذية ولو فى قمة رئاستها المساس بتلك الموارد الطبيعية أو الاعتداء عليها سواء فى صورة قرار إدارى أو عمل مادى يزيلها من الوجود، وهى السلطة التى الزمها المشرع الدستورى بحسن استغلال تلك الموارد الطبيعية لا الاعتداء عليها أو الانتقاص منها، ومن ثم فأنه إذا ما انجلى المشرع الدستورى بنصوص امرة ملزمة لسلطات الدولة بشأن الحفاظ على الموارد الطبيعية فانه يتعين عليها النزول عند قواعد الدستور، ومبادئه والتزام حدوده وقيوده، فإن هى خالفتها أو تجاوزتها شاب عملها عيب جسيم يصل إلى حد خرق أحكام الدستور، يكون مصيره العدم سواء بسواء.
وذكرت المحكمة أن المشرع العادى كان حريصا على تأكيد رغبة المشرع الدستورى فى هذا الخصوص ونص هو الآخر على أن خامات المناجم والمحاجر والملاحات الواقعة فى الأراضى المصرية وما يوجد منها فى المياه الإقليمية ومياه المنطقة الاقتصادية الخالصة ملك للشعب، وألزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وناط بالهيئة الهيئة المصرية العامة للثروة العدنية بتسيير وإدارة نشاط الثروة المعدنية وناط بالمحافظة بتسيير وإدارة المحاجر والملاحات، التى تقع فى دائرة اختصاصها تحت الإشراف الفنى لتلك الهيئة وجعل الهيئة المذكورة أو المحافظة بحسب الأحوال اتخاذ إجراءات إصدار التراخيص المتعلقة بخامات المناجم والمحاجر والملاحات وبأعمال البحث واستغلالها على أن يعتد الترخيص من الوزير المختص بالنسبة للمناجم ومن المحافظ المختص بالنسبة للمحاجر والملاحات بعد استيفاء الشروط الفنية، التى تحددها الهيئة سواء كانت الملاحات مواقع طبيعية أو صناعية التى تستخرج منها الأملاح وذلك كله طبقا للشروط والضوابط المنصوص عليها فى اللائحة التنفيذية لهذا القانون، وألزم المحافظة بتحديد المساحات للمحاجر والملاحات التى تقع فى دائرة اختصاصها والتى تتولى استغلالها بنفسها بموافقة مجلس الوزراء طبقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية وخص المشرع فى الباب الرابع من القانون المشار إليه بأحكام خاصة بالملاحات حيث أوجب أن تصدر تراخيص استغلال الملاحات الطبيعية أو الصناعية من المحافظة بعد موافقة الهيئة وإشرافها الفنى على عملية استخراج الخام طبقا للشروط والضوابط المنصوص عليها فى اللائحة التنفيذية ولم يجز المشرع أن يزيد مجموع مدة الترخيص وتجديداته على خمسة عشر عاما وأجاز تجديد الترخيص لمدة تزيد على خمسة عشر عاما شريطة أن يصدر بذلك قانون كل تلك الأحكام تسرى على الملاحات أيا كانت أى سواء كانت من قبيل الملاحة الطبيعية وهى جزء من البحر أو البحيرة أو اليابس ويتم حصاد الملح منها مباشرة دون اقامة جسور أو أحواض تركيز وترسيب وصرف وخلاله أم من قبيل الملاحة الصناعية وهى جزء من الأرض أو المياه يتم استقطاعها لتنشأ عليها الملاحة النموذجية بمكوناتها من احواض تركيز وترسيب وبللورة وصرف وخلاله ام من قبيل الملح الصخرى وهى ترسيبات طبيعية جديدة أو قديمة أو متجددة دون إنشاء ملاحة بالمعنى المعروف ( مثل رواسب سيوة – منخض القطارة – وغيرها ) فى مرحلته الأولى ويتم حصاد الملح منها مباشرة دون إجراء عمليات تصنيعية عليه.
واستطردت المحكمة أن مؤتمر الامم المتحدة للبيئة الانسانية الذى عقد فى ستوكهولم عام 1972 الفترة من 5 حتى 16 يونيو 1972 تحت شعار " نحن لا نملك إلا كرة أرضية واحدة " والذى انتهى بإصدار إعلان ستوكهولم بتاريخ 16/6/1972 أقر فيه عدة مبادئ منها الحفاظ على الموارد الطبيعية والحفاظ على البيئة من اجل الاجيال الحاضرة والمستقبلة أكده كذلك مؤتمر البيئة والتنمية المنعقد فى البرازيل عام 1992 على نحو لم يعد فيه الانسان فى العصر الحديث سيدا للبيئة ولا حاكما عليها بل خادما لها Custodian of the environment وتلك المبادئ الدولية تبناها الدستور المصرى ولما كانت الموارد الطبيعية هى تلك الموارد التى وهبها الله عز وجل للإنسان من دون تدخل منه ومن بينها فى مصر المناجم والمحاجر والملاحات والثروات المعدنية على وجه الخصوص وهى من موارد الدولة الطبيعية التى اختصها الدستور بملكية للشعب لها، وتصون لها بالحماية وألزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الأجيال القادمة فيها.
وأشارت المحكمة أنه قد اضحى فى الفكر الدستورى والقانونى الحديث أن التطور الإيجابى للتنمية، لا يتحقق بمجرد توافر الموارد الطبيعية على اختلافها، بل يتعين أن تقترن وفرتها بحسن استغلالها الرشيد وبالاستثمار الأفضل لعناصرها وإذا كانت الملاحات من بين هذه الموارد وأكثرها نفعا، فالملح احد ثلاثة ضرورات لحياة الإنسان فبعد الهواء والماء يأتى الملح الثروة الطبيعية المتجددة غير الناضبة والذى ينتج مادة الصوديوم اللازمة للانسان بمقدار، فضلا عن تطور استخداماته فى كثير من الصناعات، وبهذه المثابة فانه يعد باعثا للحياة فى الاقتصاد المصرى بزيادة انتاجها من الملح بعدما اصبح إنتاج العالم من الملح يتناقص، بسبب ما تعرضت له فيما مضى الملاحات فى أوروبا والصين للفيضانات، فمن ثم لا يجوز أن يبدد إسرافا بل أن الحفاظ عليه قابلا للاستخدام فى كل الأغراض التى يقبلها، يغدو واجبا وطنياً، وبوجه خاص فى كبرى مصادره ممثلا فى صناعات كثيرة، ليس لإحياء احدى موارد الطبيعة وحدها أو إنمائها فحسب، بل ضمانا للحد الأدنى من استخدامها الرشيد، وارتكانا لوسائل علمية تؤمن للموارد الطبيعية نوعيتها، وتطرح الصور الجديدة لاستخداماتها لتعم فائدتها، وإذا كان تراكم الثروة يقتضى جهدا وعقلا واعيا، فإن صون الموارد الطبيعية وحفظها وصيانتها وحسن استغلالها يعتبر مفترضا أوليا لكل عمل يتوخى التنمية الأشمل والأعمق. ومن ثم لا يجوز لاية سلطة ازالة احدى الموارد الطبيعية من الوجود لان هذا التصرف يعد محفوفا بمخاطر لا يستهان بها تنال من المصالح الحيوية لأجيال متعاقبة بتهديدها لأهم مصادر وجودها، وعلى الأخص مع تراجع الوعى القومى، وإيثار بعض الأفراد لمصالحهم وتقديمها على ما سواها.
وذكرت المحكمة أن الصلة بالحق فى الحياة، وكذلك بالحق فى بناء قاعدة اقتصادية تتوافر أسبابها، وعلى الأخص من خلال اعتماد الدول - كل منها فى نطاقها الإقليمى - على مواردها الطبيعية ليكون الانتفاع بها حقا مقصورا على أصحابها وقد أكد الإعلان الصادر فى 4/12/1986 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة فى شأن التنمية 128/41 أهميتها بوصفها من الحقوق الإنسانية التى لا يجوز النزول عنها، وأن كل فرد ينبغى أن يكون مشاركا إيجابيا فيها، باعتباره محورها، وإليه يرتد عائدها، وأن مسئولية الدول فى شأنها مسئولية أولية تقتضيها أن تتعاون مع بعضها البعض من أجل ضمانها وإنهاء معوقاتها، وأن تتخذ التدابير الوطنية والدولية التى تيسر الطريق إلى التنمية بما يكفل الأوضاع الأفضل للنهوض الكامل بمتطلباتها وعليها أن تعمل - فى هذا الإطار - على أن تقيم نظاماً اقتصاديا دوليا جديداً يؤسس على تكافؤ الدول فى سيادتها وتداخل علائقها وتبادل مصالحها وتعاونها. وهذه التنمية هى التى قرر المؤتمر الدولى لحقوق الإنسان المنعقد فى فيينا خلال الفترة من 14 إلى 25 يونيو 1993 ارتباطها بالديمقراطية، وبصون حقوق الإنسان واحترامها، وأنها جميعا تتبادل التأثير فيما بينها، ذلك أن الديموقراطية أساسها الإرادة الحرة التى تعبر الأمم من خلالها عن خياراتها لنظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإسهامها المتكامل فى مظاهر حياتها على اختلافها، كذلك فإن استيفاء التنمية لمتطلباتها - وباعتبارها جزءا لا يتجزأ من حقوق الإنسان لا يقبل تعديلا أو تحويلا - ينبغى أن يكون إنصافا لكل الأجيال، لتقابل احتياجاتها البيئية والتنموية.
وأضافت المحكمة أن الثابت بالأوراق أن قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3455 لسنة 2015 المطعون فيه قد نص على تخصيص قطعة ارض املاك دولة بمساحة عشرة افدنة الكائنة بملاحة الجزيرة غرب الطريق الدائرى بمركز ادكو محافظة البحيرة لصالح وزارة الداخلية بالمجان لاقامة سجن مركزى عليها بالحدود الواردة تفصيلا بهذا القرار، والبين من نص هذا القرار على النحو المتقدم أن تخصيص تلك القطعة تقع بملاحة الجزيرة بادكو وهو ما تأيد كذلك بما قرره المدعى والمتدخلين انضماميا معه دون انكار من الجهة الادارية من أن الحكومة بدأت فى عملية ردم جزء من تلك الملاحة حال أن الدستور جعل موارد الدولة الطبيعية ملكا للشعب، والزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها وعدم استنزافها ومراعاة حقوق الاجيال القادمة فيها مما يكون معه قيام الجهة الادارية بالبدء فى ردمها وتخصيصها لاقامة سجن مركزى عليها تعديا على مورد طبيعى من موارد الدولة يتمثل فى الملاحة المحمية بنص الدستور والقانون، ويضحى معه القرار الصادر من رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه بتخصيص الملاحة لاقامة السجن المركزى عليها – والحال كذلك - مخالفا مخالفة جسيمة للدستور والقانون تنحدر به إلى درك الانعدام، فضلا عن أن قيام الادارة المدعى عليها بالبدء فى ردم الملاحة يمثل عملا ماديا مخالفا للدستور والقانون واهدارا للثروة المعدنية المملوكة للشعب بالمخالفة لنصوص الدستور الذى لم يجز لاية سلطة تغيير طبيعة الموارد الطبيعية وانما بالاستخدام الرشيد لها بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة وضمان حقوق الاجيال القادمة فيها وبالمخالفة كذلك للمادة الثانية من قرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 198 لسنة 2014 باصدار قانون الثروة المعدنية التى نصت على أن خامات المناجم والمحاجر والملاحات الواقعة فى الاراضى المصرية وما يوجد منها فى المياه الاقليمية ومياه المنطقة الاقتصادية الخالصة ملك للشعب، وتلتزم الدولة بالحفاظ عليها وحسن استغلالها مما يتوجب معه على الجهة الإدارية ممثلة فى رئاسة مجلس الوزراء أن تصدع لأمر الدستور والقانون وتوقف عمليات بدء ردم ملاحة الجزيرة محل التداعى بصفة عاجلة فور صدور هذا الحكم للحيلولة دون ردمها ودون القضاء عليها كملاحة بما يخالف الدستور والقانون لما انطوى عليه من عدوان على الملاحة محال التداعى كاحدى موارد الدولة الطبيعية التى هى مملوكة للشعب ملكية عامة يرقى إلى مرتبة اغتصابها، متضمنا عيبا جسيما لصدوره فاقدا لسنده فى أمر ينطوى على اعتداء على الملكية العامة للشعب التى نص الدستور على صونها وحمايتها، ولا ريب أن هذا العدوان على احدى الموارد الطبيعية والبدء فى ردم ملاحة الجزيرة محل التداعى هو كالحريق يتعين إخماده، والوقت حرج فيه مما يستنهض همة الادارة فى حماية الملاحة محل القرار المطعون فيه.
واختتمت المحكمة حكمها التاريخى الذى يورخ لعهد جديد للحفاظ على الموارد الطبيعية أنه لما كان من المقرر قانونا أن كل واقعة منعدمة ليس لها من وجود، إذ هى ساقطة فى ذاتها والساقط لا يعود، فإن مثل هذه الواقعة - وهى فى إطار النزاع الراهن واقعة البدء فى ردم ملاحة والقضاء عليها كمورد طبيعى لا يعتد بالآثار التى رتبها قرار رئيس مجلس الوزراء عليها خاصة ما تعلق منها بالانتقاص من الحماية التى كفلها الدستور للموارد الطبيعية ولحق الملكية العامة للشعب، وهى حماية يفرضها مبدأ خضوع الدولة للقانون بما يتضمنه هذا المبدأ من استقامة المنحى عند اصدار رئيس مجلس الوزراء لقرار مثل القرار المطعون فيه، وذلك بالتقيد بالضوابط التى فرضها الدستور فى شأن حماية الموارد الطبيعية المملوكة للشعب، وبهذه المثابة يكون القرار المطعون فيه منعدما وفى مجال تطبيقه جائرا لا يستند إلى أسس موضوعية وفقا لاحكام الدستور ومخلا بالحماية الكاملة التى ضمنها الدستور لحق الملكية العامة للشعب أيا كان مصدر القرار ومهما علا فى سلم مدارج السلطة التنفيذية، وباعتبار أن الدستور الزم الدولة بكافة سلطاتها بمراعاة حقوق الاجيال فى تلك الموارد الطبيعية، وبوصفها حافزا إلى الانطلاق والتقدم، لتعود إلى الشعب ثمار حسن استغلالها لا اهدارها ومن ثم يكون تصرف رئيس مجلس الوزراء فى الملاحة أو اى جزء منها بما يغير من طبيعتها والبدء فى ردمها لاقامة سجن مركزى عليها يمثل عدوانا على الملكية العامة للشعب واغتصابا لها، ولا يتصور قانونا أن تكون الواقعة المنعدمة مرتبة لأية آثار فى محيط العلاقات القانونية، ذلك أن انعدامها زوال لها واجتثاث لها من منابتها وإفناء لذاتيتها، وإذ كانت هذه المحكمة قد جردت قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه من كل قيمة قانونية وقررت انحداره إلى مرتبة الأعمال المادية عديمة الأثر قانونا، فإن من غير المتصور أن تؤول فى أثرها إلى الانتقاص من حقوق الشعب الذين يملكونها ملكية عامة ولصالح الاجيال القادمة ويكون معه قرار رئيس مجلس الوزراء المطعون فيه مخالفا لاحكام الدستور والقانون.
كما انتهت المحكمة إلى أنه لا يفوتها أن تشير إلى أنه يكون لمحافظة البحيرة وهى الجهة الإدارية المختصة بتسيير وادارة المحاجر والملاحات التى تقع فى دائرة اختصاصها ومنها ملاحة الجزيرة محل القرار المطعون فيه القيام باستغلالها بنفسها أو الاشتراك مع الغير بالتنسيق مع الهيئة المصرية العامة للثروة العدنية طبقا للشروط الفنية التى تضعها تلك الهيئة وتحت اشرافها الفنى بعد موافقة مجلس الوزراء طبقا للضوابط التى تحددها اللائحة التنفيذية واصدار التراخيص اللازمة طبقا لقانون الثروة المعدنية ولائحته التنفيذية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة