عمرو خالد

رموز العبادة

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
العبادة أيًا ما كانت.. صلاة.. صوم.. حج.. ليست عملاً جامدًا، بل هى فى جوهرها عمل روحى، يدفع الإنسان إلى التأمل، يفجر بداخله طاقات للنجاح والأخلاق والإبداع وحب الله، فإذا لم يتحقق هذا الشرط ابتعدت عن الهدف الأساسى الذى من أجله فرضها الله علينا.
 
فالعبادة ليست شكلاً أو مظهرًا، أو مجرد حركات تؤدى بطريقة آلية، بل الأصل فيها إنها تحمل العديد من الرموز، لمعان عميقة، تبث بداخلنا معانى مؤثرة، للتواصل مع الله، تحرك بداخلنا قيم الخير والرحمة والجمال، وتدفعنا نحو النجاح والإبداع، وحينئذ ننتقل من عبادة الصور إلى عبادة المصور سبحانه، وعندها نفهم الدين بشكل أعمق، يدفعنا إلى آفاق لا نهائية لحب الله بلا ملل.
 
العبادة تحيى الحياة
عندما تفكر وتتأمل فى رموز العبادة.. سيتحول أداؤك لها من طريقة سطحية جامدة لرموز لا نهائية من معانى وأفكار إبداعية، وهذا يجعل العبادة تحيى الحياة.. والأعظم أنه يوجد عقلية مبدعة متجددة محفزة لإيجاد آفاق جديدة فى العبادة.. ويفتح نافذة العبادة على الحياة.
 
الله تعالى عندما أطلق على الكعبة اسم البيت فى الآية «وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا»، كان لهذا الاسم رمزيته لدى كل مسلم.. هذا بيتك.. هذا عنوانك الدائم.. «مثابة»: تشتاق إليه ويوحشك.. «آمنًا»: يحميك ويأويك.. لما أمر الله النبى بالتوجه فى صلاته إلى المسجد الأقصى، فى الوقت الذى كانت فيه مئات الأصنام على الكعبة، ثم عاد ليأمره بالتوجه إلى بيت الله الحرام بمكة، كان الأمر أكبر من كونه مجرد مسألة جغرافية، فالكعبة توجه حياة، وليس مجرد اتجاه.
عندما كان النبى يجلس فى الكعبة كان أناس من قريش يسألون عن رجل ملك الشرق والغرب؟ إنه ذو القرنين الذى وردت قصته فى سورة الكهف.. لماذا سمى بهذا الاسم؟ لأنه امتلك قرنى الحضارة: المادة والروح.. «حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ»، «حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ».. «آتُونِى زُبَرَ الْحَدِيدِ».. فصل الحديد عن النحاس «مادة».. «قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ» «روح».. كأن الرمز: لن تنجحوا حتى تمتلكوا يا مسلمين قرنى الحياة.. المادة والروح.
 
رموز الصلاة
على سبيل المثال، لو تأملنا الصلاة التى نؤديها 5 مرات فى اليوم، لوجدنا أنها تحمل الكثير من الرموز، بداية من الوضوء، فهو ليس مجرد نظافة بدنية، بل طهارة روحية قبل لقاء الله، تزيل ذنوبنا والغل والحقد والحسد من نفوسنا، لذلك النبى قال عن رمز الوضوء «إذا غسل يديه خرجت الذنوب من تحت أظافر يديه»، هكذا يكون الوضوء على الوضوء.. نور على نور.
 
عندما تتجه ناحية القبلة فى الصلاة.. إياك أن تتوجه للقبلة بوجهك وقلبك، بينما روحك عكس الاتجاه، عندما ندخل إلى الصلاة نقول: الله أكبر.. لماذا؟ إياك أن يكون هناك من هو أكبر من ربنا وأنت تتوجه إليه، فأنت فى الصلاة مقبل على الله.. الصلاة معراج الروح.. أطلق روحك لتخرج من الأرض وتصعد للسماء.
 
فى قراءتك للفاتحة، تقول: الحمد لله رب العالمين.. فيرد عليك ربك: حمدنى عبدى.. وهكذا.. الركوع رمز: لا يمكن أنزل برأسى هكذا لأحد إلا لك يالله.. ترفع رأسك وتقول سمع الله لمن حمده: رفعة الظهر هذه سر الحضارة.. باقى المخلوقات تمشى على أربع.. ربنا ولك الحمد على هذه النعمة.. اسجد: أنت الآن قريب جدًا.. أنت من تراب: عاد الفرع إلى الأصل.. ادع فدعاؤك مستجاب.. تختم الصلاة بالتحيات: حيى ربنا.. اشكره على اللقاء. سلم على النبى كأنه أمامك.. سلم على نفسك أنت نقى الآن.. إنه السلام لكل الناس.. السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.. اشهد وارفع السبابة التى تكتب بها.. كأنك تشهد بكل أدوات الشهادة.. لسانك ويدك.. اخرج بالسلام: كأنك تعاهد الله على أن تعطى السلام لكل الناس.
 
هذه هى الرموز فى الصلاة، فهلا تأملتها، لتؤديها على هذا الوجه، وتكون دافعًا لك فى الحياة، فالعبادة مليئة بالرموز وليس لكل عبادة رمز واحد فقط، لذلك كان النبى يقول: «جعلت قرة عينى فى الصلاة»، لأن فيها مئات المعانى اللانهائية، فالعبادة السطحية تنتهى وتجف، ويتولد عنها صلاة بلا عقل.. صلاة بلا عاطفة بلا حب.. صلاة بلا روح.. صلاة لإسقاط الفريضة... صلاة لإراحة الضمير.
 
والحقيقة أن العبادة رموز روحية للتواصل مع الله تحرك بداخلنا قيم الخير والرحمة والجمال وتدفعنا نحو النجاح والإبداع، فالله سبحانه لن يزيده شيئًا بعبادتنا ولن ينقص شيئًا لو لم نعبده، بل نحن من نحتاج إلى عبادته عز وجل، لإطلاق طاقتنا.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة