لعلك لاحظت فى الفترة الأخيرة، تخصيص بعض الجرائد والمواقع الإلكترونية والفضائيات المرئية أبواباً خاصة لما يسمى بـ«التريند» «trend»، وهذه الكلمة تعنى فى اللغة الإنجليزية «توجه» أو «شائع» أو إن شئت الدقة قل «التوجه الشائع»، ومن خلال هذه الأبواب يبحث الصحفيون عن اهتمامات القراء عبر مواقع التواصل الاجتماعى، وبالتالى يضعونها كمادة أساسية فى الوجبات الإخبارية المقدمة للقراء، وهو ما وضع الجميع فى مأزق حقيقى، إذ أدى هذا التوجه إلى تشابه الجرائد والقنوات والمواقع، وأصبح الجميع يأكل من طبق واحد، ويقدم طبقاً واحداً، وهو ما انعكس سلبياً على أداء الصحف الاحترافى، لأنه ببساطة جرد المحترفين من أدوات احترافهم، وجعل مهمة الصحفى سطحية، فكل ما يفعله هو أن يدور بين المواقع والصفحات ليستكشف ماذا يقدمه الآخرون ليعيد تقديمه بدلاً من أن يبحث عن المعلومة، ويحققها ويطورها ويصنع منها قضية خاصة.
إننى أشير هنا إلى ضرورة الانتباه إلى خطورة هذه الظاهرة على مهنة الإعلام ككل، فالصحافة ليست مهنة بلا عقل لتجرى وراء ما يقدمه الآخرون فحسب، ومن ضمن مهمات الصحفى المتعددة هى أن ينظر إلى الخبر ويقيمه، ويبتكر طريقة لمعالجته، فلا شك يجب أن يضع الإعلامى فى حسبانه توجهات القراء واهتماماتهم، لكن العبث كله هو أن يترك الإعلامى عمله الأساسى، وهو الحصول على المعلومة، وكشف الحقائق وإزاحة النقاب عن المجهول، ليغرق فيما يتداوله الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعى، مع العلم أن هذه القضايا المتداولة فى أغلبها «تافه ومقيت» لا يثرى فكراً ولا ينمى عقلاً ولا يضيف قيمة، وكثير منها يذهب كما يذهب الزبد، فرواد مواقع التواصل الاجتماعى يثورون اليوم فى قضية، ويتركونها غداً دون أن نعرف لماذا ثاروا ولماذا سكتوا؟ غثاء فى غثاء، يغرق عالمنا الافتراضى، ومن المؤلم أن تتبع وسائل إعلامنا هذا الغثاء فتذهب هى الأخرى إلى المجهول، ويصبح لا فرق بين الصحفى والقارئ لأن مصادر المعلومات واحدة، بل فى أحيان كثيرة يصبح القارئ أكثر إحاطة بالقضية لأنها بدأت منه وانتهت إليه.
على وسائل إعلامنا أن تنتبه قبل أن تغرق فى الضياع، وقبل أن نجد أنفسنا ذات يوم وقد اختنقنا بحبل أحكمنا وضعه على رقابنا، فوظيفة وسائل الإعلام الحقيقية هى إعلام القارئ بما لا يعرفه، وليست إعادة تقديم المعلومات التى أنتجها القارئ إلى القارئ مرة أخرى، ويجب أيضاً على الجميع أن ينتبه إلى أن انتشار تلك الظاهرة يضر بحق القارئ كما يضر بمستقبل الصحفيين، فوظيفة الصحفى أن يصنع «التريند» لا أن يلهث وراءه كالأطرش فى الزفة.