لن تتوقف الهجرة غير الشرعية، ولن يكون الـ 200 غريق الذين تم انتشال جثث بعضهم فى رشيد هم آخر الضحايا ضمن أكثر من 300 ضحية، ما دام كان هناك واحد ينجح فى الوصول.. مئات وآلاف لا يلتفتون للغرقى لكن لواحد نجح من بين مئات، وبالتالى فإن القضية أكبر من أن تتحول إلى مبارزات سياسية، أو بكائيات مكررة، وكل طرف يريد البرهنة على وجهة نظره، البعض يشمت فى الغرقى، ويرى أنهم «يستاهلوا»، والبعض يراها فرصة ليشن غضبه على الحكومة، والظروف والأوضاع والبطالة وكسر النفس، ولا أحد يهتم أو ينشغل بهؤلاء الذين يدفعون آلافًا ليهاجروا.. رحلات إلى الموت، الاستثناء فيها النجاة، وهذا الاستثناء يصبح القاعدة.
الهجرة مستمرة منذ عقود، اكتشفناها فى بداية الألفية من ضبط مئات فى ليبيا وإعادتهم لمصر، أو غرق فى الطريق لشواطئ إيطاليا.. لا يمر أسبوع من دون ضبط عدة محاولات، بينما وجوه المضبوطين وحزنهم على حرمانهم من الهجرة والموت تكشف أن الأمر أكثر تعقيدًا من «إفيهات» وبكائيات.. هم يحزنون لأنهم ضبطوا، لحرمانهم من فرصة فى الفوز، وليس لإنقاذهم من موت شبه مضمون.
مصر نقطة للهجرة، ونقاط التهريب شواطئ كفر الشيخ والبحيرة، هناك نقاط أخرى فى ليبيا وتركيا وسوريا ولبنان، والمهاجرون من جزر القمر والسودان وإريتريا واليمن وسوريا وإثيوبيا، تقدر منظمة الهجرة الدولية للهجرة غير الشرعية عددهم عبر العالم بحوالى 50 مليون، وتبلغ أعداد الموتى من 5 إلى 10 آلاف سنويًا.. شهدنا خلال سنة واحدة عشرات من حالات الغرق بين شواطئ ليبيا وإيطاليا، وتمت إعادة عشرات، والقبض على مئات، وعاد بعضهم ليكرر العملية ويموت، أو ينجح، ويصبح أيقونة لغيره، هناك قرى بالكامل فى الفيوم والدقهلية والشرقية تحترف الهجرة.
فى مصر كانت هناك أبواب الهجرة العربية مفتوحة، فى العراق والخليج وليبيا وسوريا وحتى أوروبا، أُغلقت أبواب كثيرة منذ غزو العراق، وما بعد فوضى ليبيا واليمن وسوريا، وهذه الدول أصبحت طاردة للمهاجرين، واللعبة تديرها عصابات دولية والتسعيرة معروفة، ما بين 20 و50 ألفًا وأحيانًا 70 ألفًا، والتحصيل من الأفارقة بالدولار والدفع مقدمًا.. عصابات أطرافها فى مصر وليبيا والسودان وإثيوبيا، وفى مصر هناك أسماء معروفة، ومحمية، وتحقق أرباحًا خيالية فى الاتجار بالبشر فى هجرات للموت، والمهاجرون يواصلون مغامراتهم، يقولون إنهم يهربون من «المر» إلى «الأمر منه»، غير ملتفتين لجدل السياسة، ولا لمئات من المتسولين فى شوارع أوروبا، بعضهم ينجو ليعود ويكرر المحاولة ويدفع ثمنها، والناجون اليوم سيحاولون غدًا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة