أزمة إذاعة حوار قديم للرئيس السيسى من العام الماضى لن تكون الأخيرة، وللأسف ستتكرر الأخطاء والأزمات، وربما تحدث كارثة إعلامية، لأن أسباب أزمات ماسبيرو باقية وتكبر يوماً بعد يوم.. وهى غياب الرؤية وانتشار الإهمال والتسيب واللامهنية والاستهتار والفساد، وهى للأسف أمراض موجودة فى أغلب مؤسسات الحكومة والقطاع العام، لكنها تمكنت من ماسبيرو.. واستسلم العاملون فى ماسبيرو لها، والأخطر أن الحكومة أيضاً سكتت على ما يجرى فى ماسبيرو.
الحل ليس فى الإطاحة برئيس قطاع الأخبار، فهو مجرد كبش فداء، الحل مطروح ومتداول منذ ثورة يناير، ولكن لا أحد يتحرك أو يحسم الأمور فى اتجاه إصلاح وتجديد ماسبيرو، وتحويله من إعلام للحكومة إلى إعلام للشعب، إعلام للخدمة العامة، بما يتضمنه ذلك من إعادة هيكلة شاملة قد تتضمن ضم قنوات وإدارات، وإعادة النظر فى القنوات الإقليمية والقنوات المتخصصة، وتقليل الإنتاج البرامجى وفترات البث، وفق معايير جديدة تعتمد الكيف لا الكم، وترتقى بالمضامين المقدمة وأساليب التقديم والإخراج. علاوة على تدريب العاملين والارتقاء بهم، ومنع العاملين فى ماسبيرو من العمل فى قنوات منافسة «سبوبة القنوات المنافسة والولاء المزدوج».
والحل المقترح ليس بدعة، وإنما هو تقليد لما جرى فى ألمانيا وبولندا والمجر والكثير من دول العالم، التى قررت إنهاء تبعية الإعلام للسلطة، وضمان استقلاليته. المعنى أننا لن نخترع العجلة من جديد، وإنما سننقل تجارب الآخرين ونكيفها بما يتلاءم مع ظروفنا الاقتصادية والسياسية، يعنى باختصار سنمصرها، طبعاً مش على طريقة الأفلام المصرية حتى لا نقتل حرية إعلام الخدمة العامة ونقضى على استقلاليته.
إصلاح ماسبيرو مرتبط أولاً بوجود رؤية عن طبيعة النظام الإعلامى ومكانة ودور الإعلام الخاص، وإعلام الخدمة العامة، وأتصور أن مواد الدستور الثلاث 2011، 2012، 2013، وضعت أساساً معقولاً لهذه الرؤية، لكنها تنتظر منذ ثلاثة أعوام تقريباً من يفعلها بإصدار مجموعة قوانين خاصة بإنشاء مجلس أعلى للإعلام وهيئتين للصحافة والإذاعة والتليفزيون، لكن ليس لدينا رؤية أو إرادة سياسية لإصلاح منظومة الإعلام وضبطه، وإنقاذ ماسبيرو من البيروقراطية والفساد واللامهنية والتى أدت إلى إضعافه، بحيث أصبح غير قادر على منافسة القنوات العربية أو الأجنبية الناطقة بالعربية، أو القنوات الخاصة المصرية التى هى أصلاً متواضعة المستوى.
الغريب أن تفاصيل إعادة هيكلة الإعلام المصرى، وإصلاح ماسبيرو وتحويله لإعلام خدمة «إعلام الشعب» كانت مجال بحث وتفكير عشرات المؤتمرات والندوات المنشورة، والتى عقدت فى سنوات ما بعد الثورة، وشارك فيها إعلاميون وأكاديميون وممثلون للمجتمع المدنى وسياسيون، ومع ذلك الحكومة لا تستجيب ولا تتحرك، والبرلمان انشغل فى دورة الانعقاد الأول بقضايا كثيرة ولم يبحث ملف الإعلام أو يفعل المواد الثلاث التى نص عليها الدستور لتعيد هيكلة منظومة الإعلام المصرى، وتنقذنا من الفوضى الإعلامية التى تهدد الأمن القومى والقوة الناعمة لمصر.
أرجو أن تتحرك الحكومة والبرلمان، وأبناء ماسبيرو والمجتمع المدنى لإنقاذ ماسبيرو، وألا يكون كلامنا عن وقف فوضى الإعلام وإصلاح ماسبيرو مجرد كلام مناسبات يعاد ويكرر كلما ضربت ماسبيرو أزمة أو واجه الإعلام المصرى موقفاً صعباً، وأرجو أن يتفهم متخذ القرار أولاً: أن الرهان على إعلام القطاع الخاص أو إطلاق أذرع إعلامية لن يعيد للإعلام المصرى مكانته ودوره، وثانياً: أن إعادة هيكلة منظومة الإعلام وإصلاح ماسبيرو ضرورة ومهمة عاجلة، وثالثاً: أن إعلام الخدمة العامة يموله دافعو الضرائب فى كل دول العالم، وبالتالى فهو لا يسعى للربح، لأنه يسعى لبناء وجدان الأمة وضمان مهنية الإعلام وحرية المجال العام، بحيث يتيح لكل أبناء الوطن حرية الرأى والتعبير، لكن أن يظل ماسبيرو على حاله كآلة دعائية متواضعة للحكومة لا يشاهدها أو يستمع إليها المواطنون، فهذا أمر مرفوض، ومن غير المعقول أن يتحمل المصريون خسائر اتحاد الإذاعة والتليفزيون التى وصلت إلى 4.7 مليار جنيه فى العام المالى 2016-2017، من دون أن يكون هناك مردود معنوى وإعلامى مفيد للوطن ولعملية التحول الديمقراطى. رسالتى التى كتبت عنها قبل ثلاث سنوات- وأكررها اليوم–إذا لم يتحول ماسبيرو إلى إعلام للخدمة العامة، واستمر إعلاماً سلطوياً، ودعائياً، فمن الأجدى لمصر وللمصريين أن نغلقه، ونعوض العاملين فيه مالياً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة