بات لزاماً أن يطلع كل منا بدوره لوقف نزيف أرواح شبابنا الحالمين بالهجرة
كالعادة، لا ننتبه أو نعالج بمحمل من جد، إلا عندما تقع الكارثة، فقد غرقت مركب للهجرة غير الشرعية، أمام سواحل رشيد، يمتلكها عصابات ومافيا الهجرة غير الشرعية، ليدفع العشرات حياتهم ثمناً للهروب من الموت جوعاً ليموتوا غرقاً، ففى ظل مرحلة نشهد فيها تنامى لظاهرة الهجرة غير الشرعية، التى تفقد فيها مصر المئات من شبابها الذى يعبر المتوسط فى مراكب صيد لعصابات إجرامية، يقع على عاتقنا جميعاً مسؤولية تشريعية وتنفيذية للحد من هذه الظاهرة ومكافحتها، فالهجرة غير الشرعية لا يمكن مواجهتها قانونياً أو القضاء عليها أمنياً فحسب، ولكن اقتصادياً أيضاً، وهو ما يقع على عاتق الحكومة فى جذب الاستثمارات، ومن ثم إتاحة فرص العمل المناسبة للشباب.
ففى الطريق نحو الإسهام فى معالجة هذه الظاهرة من الناحية التشريعية والرقابية، ومن خلال ما هو مقدم من الحكومة - منذ ما يقرب من الشهرين - من مشروع قانون لمكافحة الهجرة غير الشرعية، نص على تغليظ للعقوبات المتعلقة بجرائم تهريب المهاجرين، لكن ظهرت ضرورة ملحة فى وجوب توحيد الجهات المنوط بها تولى ملف الهجرة غير الشرعية، فى ظل تعدد الجهات المسؤولة عن هذه الظاهرة، وهو ما يشكل فى الكثير من الأحيان صعوبة فى الاطلاع بالدور الرقابى لمجلس النواب، وإهدار لحقوق المواطنين، ومن ثم تُفرق المسؤولية بين عدد من المؤسسات، وهى «السلك القنصلى بوزارة الخارجية»، و«وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج»، و«وزارة القوى العاملة والهجرة»، بالإضافة «للجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية» التابعة لمجلس الوزراء، و«اللجنة التنسيقية لمكافحة الاتجار بالبشر» التابعة لوزارة العدل، والتى تشملها بالتعديل المادة (2) من مشروع قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، وتهريب المهاجرين، المقدم من الحكومة، لتحل محلها «اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر».
فهذا التداخل غير المبرر بين المؤسسات فى المسؤولية عن ملف واحد، يترتب عليه وجود أعباء مالية زائدة على الدولة، دونما وجود أثر واضح فى معالجة تنامى ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فبالإضافة لما هو مخصص للسلك القنصلى فى موازنة وزارة الخارجية، تخصص 10 ملايين جنيه للتأهيل والتوعية للحد من الهجرة غير الشرعية فى موازنة وزارة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج، بجانب ما هو مقدر بحوالى 500 ألف جنيه كمخصصات للجنة التنسيقية لمكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية التابعة لمجلس الوزراء، بالإضافة لمخصصات اللجنة التنسيقية لمكافحة الاتجار بالبشر التابعة لوزارة العدل، وما هو مقرر من أعباء جديدة وفق نصوص المواد (32)، (33)، (34) من مشروع القانون المقدم من الحكومة بإنشاء «صندوق مكافحة الهجرة غير الشرعية وحماية المهاجرين والشهود».
فبناء على كل ما سبق، لابد من ضرورة توحيد الجهات المنوط بها تولى ملف الهجرة غير الشرعية، فى ظل تعدد الجهات المسؤولة عن هذه الظاهرة، وهو ما يشكل فى الكثير من الأحيان صعوبة فى الاطلاع بالدور الرقابى لمجلس النواب، وإهدار لحقوق المواطنين، ومن ثم تُفرق المسؤولية بين عدد من المؤسسات، فمن الممكن أن تقع المسؤولية التنفيذية إزاء كل ما يتعلق بالهجرة غير الشرعية، على وزارة الخارجية، لما تملكه من أدوات وقنوات تتمثل فى سفاراتنا وقنصلياتنا فى الخارج، أما المسؤولية التوعوية فتؤول لوزارة الهجرة وشؤون المصريين فى الخارج، وما يترتب على ذلك من إعادة توزيع للمخصصات المالية.
فقد بات من غير المتصور أن هناك دولة تعانى اقتصادياً، وتتطلع لبرنامج تقشف اقتصادى، أن يوجد بها خمس جهات تحصل على أموال من موازنة الدولة الكبيسة، لتواجه كلا منها ظاهرة واحدة، وفى النهاية لا يؤتى أى أثر ملموس، فى مواجهة الهجرة غير الشرعية من الشق التوعوى، كما أنه من غير الجائز أن تبحث كل مؤسسة على مصلحتها، فى ظل تنازع فى الاختصاص، إما لخلق دور أو للحفاظ على البقاء كوزارة أو اللجنة حتى ولو لم يكن لتلك الجهات دور حقيقى وفاعل. فمن هذا المنطلق بات لزاماً أن يطلع كل بدوره لوقف نزيف أرواح شبابنا، الذين هربوا من الموت جوعاً ليموتوا غرقاً.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة