أغلب أغنياء مصر مثل مصطفى الجندى يخلطون بين ما يؤدونه لله وبين الواجب تجاه بلدهم
قليل من عامة الشعب فى بر مصر، من كان يعرف وجه، أو اسم مصطفى الجندى، قبل ثورة يناير، رغم أنه كان نائباً فى البرلمان عام 2005 أى قبل قيام الثورة بسنوات، ربما بل المؤكد أن أبناء دائرته فى الدقهلية كانوا يعرفونه، ولكن يظل أن شهرة الرجل الحقيقية والواسعة لم تأتِ إلا مع بداية أحداث الثورة، وما بعدها فقد كان ضيفاً دائماً على الفضائيات، وفى برامج المساء والسهرة، وأكثر ما كان يميزه عن غيره ارتداءه للجلباب الذى يؤكد به هويته أنه فلاح ابن فلاح.
وللحق لا يعيب الرجل جلبابه، وإن كان بعيداً عن الشاشات يرتدى أفخر الثياب الأوروبية، وهو أيضاً ما لا يعيبه، ولكن فقط يترك علامة استفهام صغيرة وليست كبيرة.
مصطفى الجندى، رجل أعمال يعمل فى السياحة، وكان مرتبطاً بحزب الوفد لفترة، ثم استقال منه لخلافات أدت لأن شنت عليه جريدة الوفد حملة، وبالتأكيد لن أردد ما قيل فيها لأنها معارك غالباً لا يلتزم فيها كثير من الأطراف الحياد أو شرف الخصومة.
وهنا سينطلق سؤال منطقى جداً لدى قارئ هذه السطور، وهو وإن كنت لا ترى عيباً فى رجل يرتدى الجلباب للظهور الإعلامى خلافاً لواقعه، أو لا ترى فى اتهامات خصوم سياسين مشكلة، فلما تكتبين عن الرجل، وماذا ستقولين عنه، وخاصة بعد التقرير الذى نشرته الجارديان عن بانون مدير حملة ترامب، ومخالفاته لقانون الانتخابات الأمريكية، وجاء فيه ذكر اسم مصطفى الجندى كصاحب مقر الجريدة أو الموقع الإخبارى الذى يديره بانون، ويُقدر ثمنه بـ21 مليون جنيه، حسب ما ذكرت الجريدة؟
أما إجابتى لسؤال القارئ الافتراضى فهو أن سبب الكتابة عن السيد النائب مصطفى الجندى، ليس ما قيل عنه أو تردد من آخرين، ولكن مشكلتى مع ما قاله هو عن لسانه فى لقائه التليفزيونى فى برنامج «السادة المحترمون» الذى يقدمه يوسف الحسينى على قناة أون تى فى، حيث خرج النائب يرد عن نفسه الاتهامات التى طالته بسبب تقرير الجارديان، وقال كلاماً كثيراً، ولكنى أتوقف أمام ما قاله من أن الصحيفة التى نشرت هذا التقرير قالت فى الحديث عنه، إنه الوطنى الذى شارك فى الثورة، وإنه ممن حاربوا الإخوان، وهذا للأسف غير حقيقى، فالسيد النائب ربما اعتماداً على أننا شعب وحتى متخصصين لا نقرأ فقد راح يعطى لنفسه صفات ومزايا على لسان الجارديان، وهو ما لم يحدث فقد قرأت التقرير بلغته الإنجليزية، وليس فيه من ذكر لما قاله، فاسم النائب جاء مجرد توثيق لتحقيق الجارديان، وعن حتى مالك عقار بانون مدير حملة ترامب.
ولم يكن ما ذكره عن نفسه على لسان الجارديان فقط معلومات غير صحيحة، ولكن أيضاً السيد النائب قال فيما قال فى هذا اللقاء أن تكوين الوفد الشعبى الذى كان عضواً فيه وزار أثيوبيا كان سبباً فى تأجيل بناء سد النهضة عامين، وتلك للأسف معلومة مغلوطة تماماً، فلا الوفود الشعبية ولا الرسمية أجلت بناء السد، فجميعنا يعرف أن العمل فيه على قدم وساق، وأن أى تأخير فى استكماله كان بحثاً من أثيوبيا عن التمويل، وليس من المقبول أن يروج نائباً عن الشعب معلومات غير دقيقة.
نحن بلد فقير ، ورغم هذا لا يعيب المال أصحابه حتى فى البلد الفقير أو الغنى، إلا إذا أتى بطرق غير مشروعة، ولذا ليس من حقنا أن ننقم على غنى ثرائه، وإن كانت تلك آفة لدى الكثيرين، ولكن السيد النائب فى معرض حديثه قال «أنا أؤدى حق الله فى مالى وحق البلد» وقد خلط الحقين ببعض فى حديثه، أما حق الله فهذا ليس من حقنا أن نناقشه فيه لأنه أمر خاص، أما حق بلده عليه، فكما قال هو أنه تبرع بخمس أفدنة لمشروعات فى قريته ولأننى من أصول ريفية، فأعرف أن أغلى فدان زراعة لا يتعدى ثمنه مليون جنيه أو يزيد قليلاً، أى أن النائب قد حدد أن حق مصر عليه لا يزيد عن خمسة ملايين جنيه، وبغض النظر عن المبلغ مقارنة فقط بثمن شقة أمريكا يُعد مبلغاً زهيداً جداً، فى حال بلد فقير يطلب حتى من فقرائه التبرع بمكالمة بجنيه.
إن أغلب أغنياء مصر، كالسيد مصطفى الجندى، يخلطون بين ما يؤدونه لله وهو لهم حسنات فى حساب يوم الحساب، ولن تخص مصر ولا أهلها شيئاً من حسناته، وبين الواجب عليهم لبلدهم، لا أقول فى الأزمات بل فى السراء والضراء، فمليونيرات أمريكا التى يمتلك فيها النائب عقاراً بكل ثرائها يتبرعون بثرواتهم أو نصفها أو حتى ربعها لتنمية المجتمع والتعليم والصحة، ولا يمنون على مواطنيهم بأنهم يؤدون حق الله فيهم لأن بعضهم لا يؤمن حتى بوجود إله، وبالتأكيد لا يرتدون ملابس الكاوبوى أمام الكاميرات ليؤكدوا انتماءهم لأمريكا.