فى قضية فساد القمح وصوامعه، نحن أمام أفراد حصل الواحد منهم على 100 مليون أو مئات الملايين بدون وجه حق، لكن ما رأيناه أنه تم إخلاء سبيل متهم واحد بعد سداد 77 مليون جنيه، تم رفعها إلى 100 مليون، وقبله تم الإعلان عن متهم سدد 70 مليون جنيه، و50، وهناك متهمان آخران كل واحد منهما حصل على عدة ملايين، فهل ينتهى الأمر بأن يرد كل منهما عدة ملايين ويخرج منها، هذا سؤال منطقى، لأنه يعنى أن كل من يسرق المال العام، ويتم ضبطه، يسدد مبلغا ويخرج و«يا دار ما دخلك شر»، ولا نعرف نسبة ما يسدده اللص من حجم المسروقات، وهناك إشارات لكون ما يدفعه المتهم قد لا يتجاوز نسبة من المنهوبات.وبالتالى فهو يفوز بالباقى.
الرقم المعلن فى فساد القمح فقط 5 مليارات، وهو بند واحد من بنود الدعم والتموين، وهناك أبواب أخرى يتسرب منها الدعم إلى جيوب وبطون اللصوص طوال عقود، جيد أننا اكتشفنا هذا الفساد اليوم للمرة الأولى، لكن استكمال الخطوات يحتاج إلى أن يحصل كل متهم على العقاب الرادع، حتى يمكن أن يكون هناك فرق بين فاسد وشريف.
وبحسبة ساذجة فإن ما يصل من الدعم للمدعومين، أقل من النصف وربما أقل من الربع بينما يتسرب الباقى فى زواريق الفساد المعقدة، التى تشبه شبكات الصرف المتصلة ببعضها عضويا، من شمال مصر لجنوبها ومن شرقها لغربها، وهى منظومة تسمح بالفساد لكونها «مال سايب»، وفسادا ذاتيا.
كل هذا الفساد يستلزم إجراءات على مستويات متعددة، أولها تغيير طريقة الدعم القائمة، من خلال ممرات ضيقة وسريعة وباستخدام التكنولوجيا وقواعد المعلومات المسجلة فى بطاقات الرقم القومى، لوضع نظام مبرمج يمكن تغذيته بالمعلومات. مع تقليل العنصر البشرى والمراحل التى تسمح بالفساد، ومن دون ذلك سوف نظل نبكى على الدعم المسروق، ونتفرج على القمح والخبز وهو يضيع فى تلافيف الشبكات الفاسدة.
الخطوة التالية ألا يفلت فاسد بفساده، لأن فكرة أن يسدد اللص عدة ملايين ويخرج، تعنى أنه يفوز بالأرباح الحرام، وبالتالى يعاقب من يسرق حلة، بينما يفلت من يسرق 100 مليون، بينما يفترض أن يكون عقاب «حرامى القمح» أضعاف عقاب «حرامى الحلة».