الانبا ارميا

"حُلم تائب"

الجمعة، 30 سبتمبر 2016 09:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بدأنا الحديث فى المقالة السابقة عن مشاعر الألم التى تمر بالإنسان، وتطرقنا إلى مشاعر الندم المرغوب الذى يقود الإنسان إلى التوبة ، ثم تغيير مسار الحياة نحو الخير والصلاح. وبدأنا قصة "بطرس" الذى تغلغلت محبة المال فى قلبه فجعلت منه رجلاً قاسيًا لا يعرِف الرحمة، وذٰلك الفقير الذى طلب إليه أن ينفحه شيئًا مما رزقه الله، ولم تفلح محاولات "بطرس" فى إبعاد هٰذا المسكين عنه، ليضربه بكِسرة خبز! فيأخذ الرجل تلك كسرة الخبز وينطلق فرِحًا!
 
لم يمر الليل هادئًا مثل الليالى المنقضية من حياة "بطرس"، بل رأى فى نومه كأنه فى اليوم الأخير، وهناك ميزان: كفته اليسرى فى أيدى جماعة قبيحة المنظر تُلقى بأعماله الشريرة القاسية فيها، والكفة اليمنى فى أيدى جماعة جميلة من النور تقف فى حَيرة من أمرها لا تعرف ما يمكن أن تضعه فيها! وبعد مدة من البحث، وجدت كِسرة الخبز التى ضُرب بها رأس الفقير، فوضعتها فى الكفة اليمنى. انتفض "بطرس" من حُلمه، وهو قلق حزين يملؤه الندم على ما صدر منه من قساوة. وقرر أن يُصْلح من حياته، ويعيش بقية أيام حياته فى فعل الخير. وبالفعل تغير قلبه : فبدل القسوة ملأت المحبة قلبه ، وصار يهتم بالمحتاجين يساعدهم ويسنُدهم، ويترفق بالجميع، ثم أخذ يوزرع ماله على كل محتاج، بل وصل الأمر به أن باع نفسه عبدًا لدى أحد الأثرياء الرومان ووزع مال عُبوديته على الفقراء!
 
عاش "بطرس" عبدًا، نعم، لٰكنه أصبح يحمل قلبًا حُرًّا، ذهبيًّا، متسعًا للجميع، مشاركًا الجميع أتعابهم وأحمالهم. وشعر سيده أنه ليس بعبد، فحياته كانت تشع سلامًا وفرحًا حتى كان له أثر طيب فى نفس كل من قابله!! وظل هٰكذا حتى جاء أحد أثرياء بلدته لزيارة سيده وعرَفه فأعلن قصته، وكيف أنه باع نفسه من أجل الفقراء. شعر "بطرس" أن المجد والكرامة سيلاحقانه، وإذ كان ينتظر مكافأته من الله فقط، هرب واختفى فى الصحراء مع الرهبان، حيث أصبح راهبًا ناسكًا يحب ويخدُم أخوته الرهبان، فنال محبتهم وصار مثالاً لهم فى أعمال الخير والصلاح، حتى انتقل من هٰذا العالم إلى الحياة الأبدية. لقد قاد الندم إلى التوبة، والتوبة إلى تغيير الفكر والسلوك لتتغير الحياة كلها. إن مثل ذٰلك الندم يساعد الإنسان على تخطى سلبيات الحياة. وليس معنى ذٰلك أنه مطلوب من كل إنسان أن يفعل كما فعل "بطرس" كحرفية القصة، إنما هو نموذج فقط للقلب الذى تحرر من الخطإ بالندم المؤدى إلى التوبة.
 
إلا أن هناك ندمًا يدمر حياة البشر، إذ يؤدى إلى اليأس والإحباط وفقدان الرجاء فى الحياة، فيتوقف الإنسان فى مفترق الطرق غير قادر على اجتياز مشاعره، بل قد ينحدر سريعًا فى طريق الحياة فتزل قدماه ويَهوِى و... وللحديث بقية...!
 
الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة