أحيانًا، يظن بعض الأشخاص أن لديهم القدرة العالية على الكذب وعلى إيهام الآخرين بأشياء غير حقيقية على الإطلاق، ويظنون أنهم بذلك يتمتعون بالذكاء الخارق والقدرة على تضليل الآخرين، وأنهم يملكون السيطرة الحقيقية على نفوس من حولهم، وعلى تحويل مسار أفكارهم، وربما أيضًا حياتهم.
ولكنهم فى ظل كل ذلك يتناسون أن الكذب والخداع لا يحتاجان إلى مهارة أو عبقرية، فالكذب يحتاج فقط إلى وجود أشخاص حسنة النية ونقية السريرة، وإن كان الأمر كذلك، فالمشكلة لن تستمر كثيرا؛ لأن الكذب لا يحتاج إلى كثير من الوقت لكى يتم اكتشافه، فهو أسهل شىء يمكن كشفه فى الوجود، فعادةً ما تكشف الحقيقة عن نفسها، فهى ترفض أن تظل مختفية ومتوارية، وهنا لن يقول الناس أن هؤلاء الأشخاص كانوا أذكياء وعباقرة، بل على العكس سينعتون بصفة الكذب، وهى أكثر صفة تجعل من يحملها منبوذًا بين البشر، ومرفوضًا من المجتمع؛ لأنه فقد أهم نعمة يمكن أن يحصل عليها إنسان، وهى أن يكون محل ثقة.
وهنا عندما يُذكر أى أمر، مهما بلغت بساطتـه أو أهميته، فأول جملة سيرددها الآخرون عليه: "كداب كدب الإبل"، وهذا المثل دائمًا ما يُقال على الشخص الكذوب، أى كثير الكذب، وهو يرجع إلى أيام البدو، عندما كانوا يتجولون فى الصحراء بإبلهم، وكانت الإبل تقوم أحيانًا بتحريك فمها يمينًا ويسارًا كأنها تأكل الطعام، وهو الأمر الذى كثيرًا ما كان يُضلل رعاة الإبل، الذين كانوا ينظرون حولها اعتقادًا أنها وجدت حشائش أو شىء تأكله فى وسط الصحراء، قبل أن يكتشفوا أنها لا تأكل أصلا، وإنما تلاعب شفتيها.
ومن هنا ظهرت كلمة "كذب الإبل" لكل من يُضلل شخصًا ويُوهمه بأكاذيب وأقاويل زائفة، فهل يُعقل أن يتبرأ الإنسان من آدميته، ويرتضى أن يكون كالإبل، وتتصف صفاته بصفاتهم، فهذه منتهى وقمة المهانة، وعلينا أن نعلم أن الكذب هو بداية كل الخطايا والذنوب، وأنه أبشع صفة خُلقت على الأرض، ليتنا ندرك ذلك قبل أن نفقد ثقة واحترام الآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة