سهيلة فوزى

مطروح.. خطيئة رفض المنح الإلهية

الإثنين، 05 سبتمبر 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

فى عام 1950 قرر شيخ المخرجين المصريين المبدع هنرى بركات اصطحاب طاقم عمل فيلمه الجديد "شاطئ الغرام" إلى مرسى مطروح، على أطراف الدولة المصرية غربًا، ارتحل بصحبة قيثارة الغناء العربى صوت الحب ليلى مراد ليسجل بصوتها ملحمة حب للمدينة كتبها الشاعر صالح جودت، ولحنها أحمد صدقى.

يا ساكنى مطروح.. جنية فى بحركم

الناس تيجى وتروح.. وأنا عاشقة حيكم

اتنين حبايب الروح.. شبكونى فى حبكم

حبيت الاتنين سوا.. الماية والهوا

شدت ليلى مراد فوق صخرتها الشهيرة، وظلت أصداء شدوها الساحر حتى الآن تدور بذهن كل زائر تطأ قدمه المدينة البعيدة.

رغم طول الرحلة فى القطار إلا أنك بمجرد الوصول إلى المدينة تنسى مشقتها، وتنشغل بالاستمتاع بالإجازة فى المدينة البعيدة عن العاصمة جغرافيا، وأخلاقيًا فأهل مطروح يتمتعون بذوق، وأخلاق طيبة يفتقدها كثيرون فى جو القاهرة الخانق، فسماء مطروح المبهجة، ومياه شواطئها البديعة أضفا على طبائع سكانها جمالاً، ورُقيًا يليق بجمال مدينتهم.

 

بعض الأعمال الفنية يلجأ القائمون عليها لوضع تنويه فى بداية العمل، تنويه بأن الشخصيات غير حقيقية أو أن الأحداث مستوحاة من أحداث حقيقة، أما هنا فوجب التنويه أن السطور التالية ما هى إلا انطباعات زائرة للمدينة، دافعها المحبة، والامتنان لخمسة أيام رائعة قضيتها على شواطئ مطروح فما أكتب إلا حرصًا على ازدياد المدينة جمالاً وتألقًا يليق بما منحها الله من طبيعة ساحرة، وشواطئ رائعة، وسماء مبهجة يفتقدها أمثالنا من سكان القاهرة.

البداية أهل مطروح.. الهدوء، والذوق سمات غالبة فى طبائع أهلها، طيبة تشعر بها بداية من سائق يحملك إلى مكان إقامتك.

 مرورًا بالبائعين -فحدث ولا حرج- الضجر لا محل له من الإعراب هناك، فبالرغم من تكرار أسئلة المارة، والاستفسارات حول المعروضات دون شراء، إلا أن البائعين لا يَملون، فقط يجيبون ويدعوك دائمًا لمشاهدة معروضاتهم دون غضب من عدم الشراء، وهنا أتحدث عن أسواق شعبية، كشارع إسكندرية الذى يشبه كثيرًا سوق العتبة فى القاهرة مع الفارق الهائل بين تعامل بائعى القاهرة ومطروح، فبالرغم من الطابع الشعبى للشارع أو لسوق ليبيا الشهير إلا أن طريقة تعامل البائعين تليق بمستوى أشهر المراكز التجارية فى القاهرة.

 

فى أسواق المدينة أيضًا يظهر الاختلاف الأكثر وضوحًا بين مطروح والقاهرة، فالبرغم من الزحام الشديد فى شوارعها التجارية ليلا -الكورنيش، والعوام، وشارع إسكندرية، وسوق ليبيا- إلا أن غياب التحرش هو السمة السائدة فى المدينة، فيبدو لك أن الجميع قرروا دون اتفاق مسبق اللجوء إلى مطروح للاستمتاع فى هدوء، وتركوا وراءهم كل طباع العاصمة البغيضة، فطبيعة المدينة الجميلة انطبعت فى نفوس زائريها.

أما كورنيش مطروح فإنه يزداد تألقًا عامًا بعد عام، وعشوائية أيضًا انتشار الباعة، وألعاب الأطفال على رصيف المشاة الموازى لسور الكورنيش أفسد كثيرًا من بهائه بجانب عدم توافر مقاعد، والاكتفاء بسور الكورنيش فقط، ولست ضد تواجد بائعين يضفون على الكورنيش مزيدًا من الحيوية، ويوفرون خدمات إضافية للمصطافين، ولكن لا مبرر لتواجدهم بشكل عشوائى، فتنظيم تواجدهم على مسافات محددة، وتخصيص مساحات مُلزمة لهم بما يضمن انسيابية حركة المشاة على الرصيف سيكون حل أفضل من المنع التام أو السماح دون نظام.

وبعيدًا عن المدينة تجد أجمل شواطئ مطروح، شاطئ ليلى مراد أو شاطئ الغرام أشهر شواطئ مطروح، وأنقى مياه لا ينافسه فى النقاء إلا شاطئ الأُبيض لأنه الأكثر نقاءً.

شاطئ الغرام أول ما يبحث عنه زائر مطروح فكل ما فيه جذاب، طبيعة ساحرة، مياه البحر تحتضن صخور الشاطئ، عناق قد يطول أو يقصر، لكنه دائما لا يدوم أبدًا، كشوق العشاق للقاء خلسة بعيدًا عن المترصدين، عناق يثير فى النفس سعادة، وجمالاً يزداد إذا ما نظرت إلى السماء بسُحبها البديعة، كل ما فى شاطئ الغرام يجعلك تسقط فى شٍباك غرامه من أول زيارة.

ورغم ما يتمتع به الشاطئ من جمال طبيعى إلا أن اهتمام المحافظة بالشاطئ شبه معدوم، فالأمر متروك كلية لمستأجرى الشاطئ "أصحاب الشمسيات"، فمن بوابة الدخول حتى تطأ قدميك المياه لن تجد ما يسر ناظريك فكل تلك المساحة الواقعة بين بوابة الدخول، والشاطئ لم تطالها إلا يد الإهمال بلا مبرر.

المفترض أن المنح الإلهية تقابل بالشكر والامتنان، والعمل الدءوب للحفاظ عليها، أما مسئولو مطروح رفضوا أن يصونوا المنحة، كان يجب أن يقيموا على الشاطئ خدمات تتناغم مع جمال الشاطئ الطبيعى لا مبانٍ عشوائية الطابع متهالكة البنيان كان يليق بالمكان أن تُقدم على شاطئه خدمات تليق بإبداع الخالق فى تشكيله، ولكن للأسف لم يحدث.

أما شاطئ عجيبة الذى ينافس بل يتفوق على "الغرام" فى طبيعته الآسرة، حيث رقائق الصخور تكون جبالاً ساحرة تحتضن المياه فى شموخ، تلك الجبال التى تحولت إلى دفتر لذكريات المصريين الخالدة، فلا تندهش إذا وجدت اسمك محفورًا على الصخور، أو منقوشًا بالفحم الأسود، فقد وجدت اسمى -رغم ندرته- منقوشًا باللغتين العربية والإنجليزية.

 تشويه الجمال جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، وغياب الأمن بشكل تام عن الشاطئ، شجع على المزيد من التجنى على كنوز الشاطئ الطبيعية، فشاطئ عجيبة كنز مطروح يعانى من الإهمال، وانتشار القمامة، وغياب الخدمات، والمتواجد منها يغلب عليها الطابع العشوائى بما لا يتناسب إطلاقًا مع سحر المكان وجلاله، فمسئولو المحافظة يقدمون نموذجًا فريدًا فى عشوائية تتقن إهانة الطبيعة، ورفض المنح الإلهية التى اختص بها الله شواطئ مطروح.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة