كانت مصادفة سعيدة، أن أرى صورته فى قلب المتحف الزراعى، مبتهجًا مسرورًا بعد يوم واحد من كتابتى لمقال أمس «30 فدانًا فى الدقى بـ200 جنيه شهرياً»، والذى رصدت فيه كيف تضيع مصر قوتها الناعمة خلف التراب، فلمصر ثروة مهولة فى العقول والقلوب، لكننا للأسف لا نستغل هذه الثروة المهولة ولا نستثمرها ولا ندعمها ولكنها برغم كل شىء تبقى حاضرة قوية بهية فى عقول المحبين وقلوب العاشقين.
هو الشيخ «طلال زاهد» رجل الأعمال والفن والثقافة، الذى أعتبره برغم جنسيته السعودية مصريًا خالصًا، فإن رأيته ستعرف المعنى الحقيقى لكلمة «القوة الناعمة»، التى يتشدق بها البعض دون وعى تام أو حتى إلمام عابر، فإذا كان الوطن هذا المكان الذى يسكن فيك، فلا شك فى أن مصر هى وطن الشيخ «طلال زاهد» الذى افتتح منذ أيام قليلة معرضًا مهمًا فى جاليرى «ضى» لكل من الفنان الكبير الراحل «محسن شعلان»، والفنان «وليد عبيد»، وقبل أن يأتى إلى هذا المعرض المهم طاف على متاحف مصر ومبانيها وآثارها برفقة الصديق هشام قنديل مدير الجاليرى والفنان طارق الكومى متجولين بين أزقتها، متنقلين بين مساجدها، وكأنه شاعرًا عربيًا قديمًا لا يقدر على فراق موضع مرت عليه «الحبيبة»، أو عاشت بين جنباته دون أن يتلمس آثارها فيه.
قبل أن ألتقى به كنت قد سمعت عن ذلك الرجل «السعودى»، الذى حول بيته فى جدة إلى قلعة للفن المصرى، مقتنيًا أعمال ما يقرب من 650 فنانًا من أبناء النيل، متنقلًا بين النحت والحفر والتصوير والرسم، ومحتفظًا بين رئتيه بنسائم عبرت على ريشة محمود سعيد، وعبد الهادى الجزار وتحية حليم وإنجى أفلاطون وأزميل محمود مختار وأحمد عثمان وآدم حنين وعبد العزيز صعب، حيث دخل فى سباق فنى محموم مع زوجته الفنانة السعودية «نادية الزهير» التى تقتنى لوحات الفنانين السعوديين، بينما هو لا يقتنى إلا لوحات الفنانين المصريين، وبعد سنوات أثمر هذا التسابق فى تحويل بيتهما إلى حالة فنية راقية تجمع بين ما هو سعودى وما هو مصرى بتناسق تام وانسجام راق، وكأن بيتهما «منطقة مصرية سعودية حرة» فيها لا وجود للخلافات، ولا مجال للنزاعات، يبقى الفن فحسب، وتعيش مصر فى القلب والعين والهواء، تعيش فى الروح العاشقة التى لا تنفصل عن معشوقتها مكرسة كل جهودها للوصل ما بين القلبين.