مع تطور فكر المدارس الاقتصادية المعاصرة ، ظهر حديثًا اتجاه يتعامل مع الصادرات على أنها متغير مستقل فى الاقتصاد، الأمر الذى دفع دولا كثيرة ومنها مصر لإنشاء وزارة خاصة "للتجارة الخارجية".
وعلى هذا الأساس نوضح للقارئ أن الصادرات فى هذه الحالة تعتبر جزءا من القائمة النهائية للسلع المطلوبة (محليًا وخارجيًا)، فقد حملت إلينا التغيرات فى المنظمات العالمية للتجارة أهدافا جديدة ترجع فى المقام الأول إلى التخلص من مخزون تلك الدول الراكد أو تقديم قروض وإعانات لا رغبة منها فى التصدير فى حد ذاته، بل التخلص من فوائضها على حساب غيرها من الدول، الأمر الذى جعلنى أوضح الحقيقة فى هذا المقال، ونحن بصدد أخذ الصادرات كطلب نهائى فى الاقتصاد القومى، وهى نفس المشكلة التى ثارت (فى مقال سابق لى) حينما أخذنا المشروعات المحلية للقطاع العائلى وللاستثمار كطلب نهائى فى الاقتصاد القومى، لأنه فى كلتا الحالتين نكون قد أسقطنا علاقة من شأنها أن تعيد تشكيل المتغيرات محل الدراسة، وبذلك تحول هذا المتغير (الصادرات) من صفة التبعية، ليصبح متغير مستقل، بحيث أصبح له ضوابط وشروط خاصة تفصله على مجمل الطلب الكلى فى الاقتصاد القومى، ولذلك كانت له هيئة حكومية تديره وهى "وزارة التجارة الخارجية".
وعلى هذا الأساس الجديد ، إذا اعتبرنا كلا من الطلب على الاستهلاك والاستثمار والطلب على الصادرات متغيرات مستقلة وفقاً للنظام الاقتصادى الحديث ، يظل من الممكن أن تجمع فيما يعرف بالطلب النهائى أو بالقائمة النهائية للطلب على السلع فى الاقتصاد.
وتكون أى زيادة فى هذه القائمة سواء كانت فى المشروعات المحلية أو فى الصادرات أو فيهما معاً مؤثر كبير فى حجم الإنتاج والتشغيل فى مختلف القطاعات الاقتصادية .
ونخلص مما تقدم فى شأن الصادرات وعلاقتها بالاقتصاد المحلى وبالطلب على الاستهلاك والاستثمار إلى وجود اتجاهين مختلفين، أولهما ؛ لا يضمن القائمة النهائية للسلع إلا المشتريات المحلية التى يقوم بها الأفراد والهيئات والطلب على الاستثمار ، أما الصادرات التى تستهدف سد حاجة الواردات عن طريق مجموعة معدلات التبادل السلعى (أى الميزان التجارى) فإنها تعتبر ، شأن الإنتاج والتشغيل فى مختلف القطاعات ، ضمن المتغيرات غير المستقلة. وثانيهما ؛ يسقط من الدراسة علاقات معدلات التبادل (أى الميزان التجارى) ، ويعتبر الطلب على الصادرات طلبًا مستقلاً ويقيد ضمن قائمة السلع النهائية فى الاقتصاد، ويمكن أن يضاف إلى هذين الاتجاهين اتجاه ثالث، ظهر حديثاً فى العشر سنوات الماضية فى كثير من الدول المتقدمة ، واعتبر الصادرات وحدها متغيراً مستقلاً. أما الطلب المحلى فيعتبر فى هذا الاتجاه طلباً تابعاً ، خاصة إذا كانت الدولة تعتمد فى المقام الأول على التصدير كأساس للتنمية الاقتصادية، بحيث يتحول الطلب المحلى تابع إلى الصادرات أو ما تبقى منها، وعليه تقسم الصادرات إلى صادرات مستقلة وصادرات تابعة ، وتخضع هذه الأخيرة إلى علاقات المنتج والمستهلك الخاصة بما تبقى من التجارة الخارجية أى صافى المبادلات الدولية، أما الأولى فهى حرة ويتحدد بالطلب الخارجى (أى الإنتاج من أجل التصدير)، وفى اتجاه رابع وأخيرًا، نجد التفرقة بين الصادرات المستقلة والتابعة مقابلها فى التفرقة بين الاستثمار المحلى والاستهلاك العائلى ، ففى هذا الاتجاه يعتبر الاستهلاك متغيراً تابعاً يرتبط ببقية علاقات التشغيل والدخل والاستهلاك ، بينما يدخل الاستثمار المحلى فى القائمة النهائية للسلع.
وعلى ما تقدم ننتهى إلى أن لا ندخل الاستهلاك المحلى ولا جزء من الصادرات الذى يستخدم فى رد الواردات ضمن قائمة الطلب، وهذا يعنى أن العلاقات المحلية للتشغيل والدخل والاستهلاك وعلاقات معدلات التجارة الخارجية تدخل جمعياً ضمن المعطيات البنيانية للاقتصاد المصرى ، وأن فائض الصادرات هو الذى يشكل مكون وحدة الطلب الكلى فى البلاد ، هذا إن رغبت مصر فى أن تكون دولة مصدرة فى الأساس مثل اليابان والصين ودول شرق أسيا.
· كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة