الوضع فى الخليج لا يتهدده فقط مخاطر أمنية وأطماع سياسية إقليمية فى ظل التوترات والصراعات فى عدد من دول الجوار فى سوريا واليمن والعراق، وانما هناك، حسب الدكتور حسين غباش، خطر اجتماعى وديموجرافى أكبر يتمثل فيما وصفه فى دراسته بـ«الاستيطان الآسيوى» الواضح والطاغى داخل التركيبة السكانية لدول الخليج.
المفارقة أن هذه الحقيقة يدركها المسؤولون فى دول الخليج، وتصريحاتهم تؤكد ذلك وتحذر من هذا الاستيطان الذى يهدد وجودها سواء كان ذلك قريبا أو فى الجيل القادم، والمسألة مسألة وقت، فالخطر واقف بالباب، ربما هناك استثناءات قليلة مثل عمان المحصنة بثقافتها وتاريخها العريق، والسعودية كمركز دينى، إلا أن الخطر مع قدومه لا يستثنى أحدا وينخر فى الجسد العربى الخليجى الذى يتداعى لأى تغييرات فى أى عضو فيه.
كانت الأسئلة المؤرقة للإنسان الخليجى، هى: كيف وصلت بلدان الخليج العربى إلى هذا المأزق التاريخى؟ من هو المستفيد الأول من هذا التحول الديموغرافى الدراماتيكى؟ كيف تم كل ذلك بصمت محير؟ هل الأمر نتاج تطور طبيعى أم أن ثمة محركا خارجيا؟ لكن تلك كانت أسئلة الأمس، والسؤال اليوم هو: هل ثمة مخرج؟
يرى الدكتور غباش، أن التركيز على قطاع البناء والإعمار وتشجيع الاقتصاد الريعى والحداثة الزائفة، أهمل حقائق الديموغرافيا والجغرافيا والتاريخ، ولم تأخذ هذه التنمية فى حساباتها حاجات المجتمعات المحدودة فى المنطقة، فتنمية هذه المجتمعات الصغيرة لا تحتاج إلى هذه الملايين من العمالة الأجنبية ولم ترافق هذه السياسات التنموية رؤية تنموية اجتماعية وثقافية، ولم تراعَ مسألة الهوية الوطنية والثقافية، ولم تأخذ فى الحسبان مسألة الأمن الوطنى والاستراتيجى للمنطقة ككل، والنتيجة، اليوم، نرى هذا التراجع فى الحضور العربى والتهديد الجاد والماثل للمستقبل العربى فى المنطقة بأكملها.
المستقبل بطبيعته مجهول، مشحون بالتحديات، وفى عالمنا العربى ملغم بكل صنوف العثرات. ومن أهم أهداف التنمية هو أن تؤسس لمستقبل آمن ومستقر. يبقى أن أى تنمية لن تكون تنمية وطنية ما لم تتمحور حول الإنسان كوجود وقيمة.
بالطبع، لم تقتصر الهجرة على العمال، بل شملت مهنيين وحرفيين فى مختلف المجالات. كما ضمت التجار من كل المستويات. وقد تمكنت شرائح واسعة من الهنود والباكستانيين من الإمساك بمفاصل الاقتصاد ومن بيده مفاتيح الاقتصاد يملك، بالضرورة، تأثيرا مباشرا على القرار السياسى، وهو بالتأكيد قادر على تحديد مسار المستقبل، ويرصد الدكتور غباش مؤشرات وملامح التغيير الاجتماعى، فالثقافة الآسيوية سادت، والفضاء الثقافى العربى تراجع كثيرا، ولم يبقَ من الثقافة إلا الفولكلور للسياح، واللغة العربية تراجعت إلى المرتبة الرابعة أو الخامسة.
القضية خطيرة للغاية، فإما أن يبقى الخليج عربيا وإما أن يكون آسيويا، والخليج أمام أزمة تاريخية مركبة ومعقدة، والمعالجة أصبحت أكثر من ملحة وضرورية، والحلول يعرفها الأشقاء فى الخليج.