برغم أنى ولدت وعشت فى مصر طوال عمرى، وأنى من أبوين وجدين وجد جدين مصريين، لكنى فى الحقيقة لا أفهم الكثير من القضايا التى تشغلنا من حين لآخر، ولا أفهم أيضا تلك المواسم، التى تنشط فيها تلك القضايا ولا أعرف كيف فجر القضية من فجرها، وكيف تفاعل مع القضية من تفاعل معها، ولا أعرف أيضًا كيف نشأ لها فى يوم وليلة ائتلاف مؤيد وآخر معارض، ومن أوضح هذه القضايا قضية «قانون الإيجار»، الذى أصبح الشغل الشاغل للناس الآن، فهل انتهت كل مشاكلنا لنضيف إليها مشكلة جديدة؟ وهل فرغ المجلس من كل التشريعات، التى تنظم الحياة فى مصر حتى يناقش مسألة إخراج الناس من بيوتها وأسواقها؟
وهل يعمى المجلس إلى هذه الدرجة عن إنه أصبح وسيلة جلد إضافية للمواطنين، بدلا من أن يكون وسيلة من وسائل مراعاة الحقوق؟
نعم العلاقة بين المالك والمستأجر يجب أن تعدل، لكن متى وأين والأهم.. كيف؟ فنحن فى أمس الحاجة الآن للقوانين، التى تراعى القاعدة الشعبية الأوسع وتخفف عنها، فلا يخفى على أحد ما يعانيه الناس من تدهور فى مستوى المعيشة، ولا يخفى على أحد أيضًا أن إجراءات الإصلاح الاقتصادى، التى اتخذتها مصر أضرت بالكثير من المواطنين دون أن يجدوا أحدا يخفف عنهم، فلماذا نضيف للناس عبئا جديدا لا يستفيد منه «العامة»، وإنما يستفيد منه «الخاصة»، أم أن الأمر لا يتعدى كونه تسديد فواتير انتخابية عند بعض النواب؟
على هذا فأنا ضد مناقشة قانون الإيجارات الجديد من حيث المبدأ، وبرغم أنى أعلم تمامًا أن ملايين المواطنين من ملاك العقارات سيستاءون من هذا الرأى، لكنى أعلم أيضا أنه لا الوقت ولا الظرف يسمح بتأجيج العلاقة بين المواطنين إلى هذا الحد، وعلينا أن نسأل أنفسنا قبل أن نعيد طرح هذا القانون هذه الأسئلة: هل من بنى عمارته فى الستينيات مثلا لم يكسب أضعاف الأموال، التى تكبدها فى بناء العمارة حتى الآن؟ وهل يصح أن نساوى بين من حصل على شقته فى الخمسينيات أو الستينيات دون «مقدم» أو «خلو رجل» بمن حصل على شقته بمقدم كبير أو خلو رجل معتبر؟ ثم هل علينا أن نقدس مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، فى كل عقودنا ثم نأتى وننسف هذا المبدأ بقانون لا يراعى اتفاقات الناس؟