قيل إن المطرب جميل الصوت قوى الحضور وجيه الطلة محمد مرسى عبد اللطيف الشهير باسم محمد الكحلاوى والشهير بمداح الرسول - عليه الصلاة والسلام - رفض طلبا للزعيم المصرى والبطل العربى والقائد الأفريقى عبد الناصر بأن يغنى لبطولاته أو يمدح إسهاماته الكثيرة فى خدمة الدين وفى خدمة الوطن، وقيل إن مطربنا الجميل الكحلاوى رفض طلب عبد الناصر، موضحا أن سبقه إلى مدح الرسول محمد صلى الله عليه وعلى صحبه وأهله ومن تبعه بإحسان وسلم - يحول بينه وبين مدح أحد غير الرسول الكريم، ولو كان الزعيم عبد الناصر نفسه.. فهل وقع ذلك حقا؟! وما أهمية ذلك اليوم؟!
لقد كان للزعيم المصرى الكبير جمال عبد الناصر إنجازات وبطولات كثيرة فى مجالات عديدة، وليس فى مجال واحد فقط، فكانت له إنجازات سياسية واقتصادية وصناعية وإسلامية وغيرها مما يعرفه الكثيرون منا ولا ينكره عليه إلا القليلون.
ومن إنجازات الزعيم الراحل جمال عبد الناصر التى دخل بها فى تاريخ الإسلام بطلا إسلاميا كبيرا، أنه فى عهده سجل القرآن الكريم على أشرطة وأسطوانات مرتلا ومجودا لأول مرة، ووزع ملايين النسخ فى أنحاء العالم المتفرقة، وأنشأ إذاعة القرآن الكريم التى تعنى بإذاعة القرآن الكريم على مدار الساعة وتعنى بنشر الفقه الإسلامى الوسطى ونشر تعاليم الدين الحنيف والرد على أسئلة واستفسارات المسلمين فيما يؤرقهم ويحتاجون فيه إلى فتوى وإيضاح أو شرح وتوضيح، ومن منا لا يستمتع بهذه الإذاعة الجميلة الأثر عظيمة الأداء والوظيفة؟ واهتم عبد الناصر - رحمه الله - بإنشاء المساجد، فزاد عدد المساجد فى مصر من أحد عشر ألف مسجد إلى واحد وعشرين ألف مسجد خلال ثمانية عشر عاما هى فترة حكم الزعيم المصرى الذى انتقل إلى بارئه فى عام 1970، ودعم عبد الناصر الأزهر الشريف، وأنشأ مدينة البعوث الإسلامية لتتمكن مصر من استضافة الطلبة الأفارقة الراغبين فى الدراسة بالأزهر الشريف، وأنشأ الزعيم الآلاف من المعاهد الأزهرية فى شتى ربوع مصر المتباينة، كما أنشأ فروعا لجامعة الأزهر العريقة فى الداخل والخارج لخدمة الإسلام، كما اهتم الرئيس الراحل عبد الناصر بدعم التربية الدينية فى المدارس، واهتم بتشجيع النشء على حفظ القرآن الكريم باقامة المسابقات الدينية . وليس هذا بالحصر لإنجازات زعيمنا الراحل فى خدمة الإسلام، لكنه ذكر لبعض أياديه البيضاء فى خدمة دينه وبلده وأمتيه العربية والإسلامية، ولو أن عبد الناصر - فرضا - لم يقدم، أو لم يستطع أن يقدم من الإنجازات شيئا سوى تسجيل كتاب الله - سبحانه تعالى - على الأشرطة والأسطوانات مرتلا ومجودا لأول مرة فى تاريخ الإسلام وفى تاريخ البشرية، لكفاه ذلك بطولة وفضلا لا ينكر، ولجعله ذلك شخصية ذات طابع ومكانة دينية لا يمكن إنكارها عليه، نعم، فقد كان عبد الناصر - رحمه ألله - مسلما مؤمنا مؤديا لفروض الله سبحانه تعالى، وإن لم يكن رجل دين، وليس أسمى من الإسهام فى حفظ القرآن الكريم كاملا مرتلا ومجودا وتقديمه سهلا ميسرا وواضحا إلى العالم كافة فى كل مكان فى ذلك العصر - عصر الرئيس عبد الناصر - والعصور التالية من تاريخ البشرية من عمل، وقد أتاح لنا التسجيل - فضلا عن الحفظ - أن نستمتع أيضا بأجمل أصوات القراء - مثل صوتا الشيخين الأجلين محمد رفعت والحصرى - وهم يتلون الكتاب مجودا ومرتلا بعد عقود من وفاتهم رحمهم ألله وطيب ثراهم.
لقد كان - ولا زال - الفنان الفريد محمد الكحلاوى ذى مكانة فنية وشعبية عظيمة، ولا ريب فى هذا قط ولا جدال، بل إن مكانته الفنية الكبيرة وقدراته الغنائية لتزداد اتضاحا لنا كلما مرت السنون والعقود، شأنه فى ذلك شأن كل ثمين ونفيس، وهذا هو مكمن الحديث - فلو صح أن الفنان الكبير محمد الكحلاوى رفض فعلا أن يغنى لعبد الناصر وبطولاته - رغم طلب الزعيم عبد الناصر ذاته - لكان معنى ذلك خسارة كبيرة لمصر والعالم. لماذا ؟! لأن قيام الكحلاوى بالغناء لعبد الناصر ولأعماله كان يعنى خروج عمل أو عدة أعمال فنية جميلة فى تخليد الإسهام الدينى والوطنى والإخلاص القومى والشخصية المصرية المعطاءة القوية والقادرة على تحريك العالم . فأى مكسب كبير هذا لمصر والعالم!؟
لو صح أن عبد العناصر - رحمه الله - رغب فى أن يغنى محمد الكحلاوى لبطولاته ومنزلته، ما نال ذلك من قدر عبد الناصر شيئا. وما كان غناء محمد الكحلاوى لإسهامات وبطولات عبد الناصر ووطنيته وحب الناس والشعوب له لينقص من القدر الفنى أو الشعبى لمحمد الكحلاوى شيئا. وما كان غناء محمد الكحلاوى أو مدحه لزعيمنا عبد الناصر لينقص من حب الكحلاوى لرسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وعلى أهله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم - من شىء أبدا.
المكسب.. أن توظف فنك فيما يخدم دينك ووطنك، دون أن تبتلعك الانتقائية. فقد مات الفنان محمد الكحلاوى ومات الزعيم عبد الناصر - رحمهما ألله وطيب ثراهما - وبقيت الأعمال. حفظ الله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها إلى الخير.