خارج أروقة السياسيين وبين الحوارى والشوارع والمقاهى والميداين يشتعل النقاش بين مؤيدى قرارات الحكومة الحالية ومعارضيها، كل من يملك فى قلبه ذرة من وطنية يقدر تمام التقدير حجم الصعوبات التى تواجهها مصر، كل من يخاف على مصر حقا يعرف أننا فى ظروف لا نحسد عليها، لكن برغم هذا لا يقدر الواحد على أن يتجاهل حجم الألم، الذى يعانى منه الناس من اشتعال الأسعار المرتبط بتعويم الجنيه المصرى، ولا يقدر الواحد أن يتجاهل متطلبات الحياة، التى تضاعفت تكلفتها مرة واثنتين وثلاث، وهنا يصبح الحديث عن الأمل فى المستقبل ضربا من الخيال، ولسان الحال يقول: وهل تضمن أن نعيش حتى نصل إلى المستقبل فى ظل اشتعال أسعار الغذاء والكساء والدواء؟
نعم نقدر أن نعيش، ونعم الأمل قادر على ضخ دماء الرضا فى العروق، لكن للأمل شروط يجب مراعاتها، للأمل علامات وإشارات، وأهم هذه العلامات هو ما تفعله الحكومة لضبط الميزان التجارى، وتخفيض الواردات وتدعيم الصادرات لكى يهبط سعر العملة الأجنبية، فيعود الحال إلى أفضل ما كان عليه، أو على الأقل إلى ما كان عليه، وهنا سأعود إلى ما كتبته فى أوائل مارس الماضى، تحت عنوان «الأهم من الدفاع عن الجنيه» مؤكدا أنه «لحسن الحظ فإن ما يقرب من %35 من الواردات المصرية تعد سلعا، سواء كانت استثمارية أو استهلاكية، بما يعنى أننا إذا تبنينا خطة لتقليص هذه الواردات، فإننا سنوفر أكثر من ثلث المدفوع بالدولار فى الإنفاق على هذه السلع، وبالتوازى مع هذا نضع خطة طموحة لتقليص الواردات من السلع الوسيطة، التى تستهلك ما يقرب من نصف احتياجاتنا من الدولار، وذلك ليس عن طريق وقف الاستيراد بالطبع أو تحجيمه، وإنما عن طريق توفير البديل المحلى، وتشجيع الصناعة الوطنية، وتيسير السبل أمامها، وعدم الاعتماد على الدولار وحده فى تمويل وارداتنا، فهل فعلت الحكومة شيئا مما ذكرت؟
حتى الآن مازال الاهتمام بمشروعات البنية التحتية أكبر من المشروعات الصناعية، فى حين أن غالبية مجهودات الحكومة فى مجال تشجيع الصناعة المحلية تقتصر على الحملات الدعائية لا غير، وهو أمر وإن كان واجبا لكنه حتما غير كاف، ولهذا يجب أن تتبنى الحكومة خطابا مغايرا للخطاب الحالى لدعم الصناعات الوطنية، دون أن تغفل أو تتغافل عن دور مراقبة الجودة وحماية المستهلك، لكى تصبح هذه الصناعات منافسا حقيقيا للصناعات الأجنبية، دون هذا سيستمر الوضع على ما هو عليه، ويصبح الأمل كلاما وليس يقينا.