المبدأ الأخلاقى واحد، لا يتغير إن تعلق الأمر بعدو وحبيب، أو هكذا يجب أن يكون.
فى مصر وبعد ثورة 25 يناير، وعلى مدار السنوات الست الماضية يقدم بعض السياسيين والنشطاء والحقوقيين أنفسهم للمجتمع كنماذج للشرف والإنصاف والموضوعية، تقول شعاراتهم هذا، وتخبرنا أبحاثهم أو مقالاتهم أو تغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعى بهذا المعنى، ولكن الواقع يخبرنا بأشياء مختلفة تمامًا.
وقائع السنوات الماضية فى مختلف المجالات سياسية أو اقتصادية أو حتى حقوقية تخبرنا بأن من سموا أنفسهم نشطاء واحتكروا الشرف والمعارضة والثورية لأنفسهم لا يختلفون تمامًا عن الفئة المقابلة التى ظللت نفسها بشعار تأييد الدولة واحتكار الوطنية، يغرد البرادعى كثيرًا بحزن حينما يفجر الإرهاب قنابله فى باريس أو بوسطن أو تركيا، ويصف مايحدث بالجريمة التى تحتاج تكاتفًا عالميًا، للقضاء على التطرف، ولكنه يختفى تمامًا ويصمت حينما يضرب الإرهاب أرض سيناء ويقتل جنودنا أو يفجر كنيسة ويقتل أطفالنا، وحينما يخرج عن صمته لا يصف الإرهاب الذى يقتل المصريين مثلما يصف الإرهاب الذى يقتل أهل أوروبا، هو يرى الإرهاب فى أوروبا جريمة، بينما يغرد أن الإرهاب فى مصر عنف متبادل، وهذا مايمكنك أن تسميه سياسيًا وعلميًا بالكيل بمكيالين، بينما بالبلدى كده يمكنك تسميته ميوعة تصل إلى حد التزوير والتزييف.
البرادعى
نفس الأمر يتعلق بالنشطاء، وفئة احتكار الثورية يصرخون ويندبون الحريات، حينما يتم توقيف ليليان داوود مثلًا، بينما يقيمون الأفراح حينما يتم توقيف توفيق عكاشة، ويقيمون الحملات لإيقاف أحمد موسى أو أمانى الخياط أو كل من لا يحمل كارنيه عضوية معسكرهم، نختلف مع موسى والخياط فى منهجهما الإعلامى ونرى ضرورة بمحاسبتهما وفق قوانين ومعايير ميثاق الشرف الإعلامى، ولكننا نختلف أيضًا مع فئة النشطاء محتكرى الثورية لأنهم يدعون الإنصاف والتجرد، بينما واقع تصرفاتهم يخبرنا بأنهم مؤمنين تمامًا بأن منع خصومهم من على الشاشات حلال وواجب، بينما منع أصدقائهم عداء للحريات، وتلك هى الأزمة التى تتجلى فى قضية التسريبات.
المبدأ واحد أو هكذا يجب أن يكون، رفض تسريب المكالمات الشخصية للأفراد، ولكن نشطاء «الفيس بكون» وفئة محتكرى الثورية يعشقون التلون، إذا كان التسريب يخص واحدًا من النشطاء أو قيادة إخوانية يتذكرون فجأة الحريات وانتهاك الخصوصية والجرائم القانونية، ويرفضون تداول التسريبات والتسجيلات ويشككون فى مصداقيتها وماورد فيها رغم أهميته فى كشف جهل وفضائح ووضاعة بعضهم، كما هو الحال فى تسريبات البرادعى، بينما نفس النشطاء والسياسيين ومحتكرى الثورية ومعهم الإخوان يقيمون حفلات صاخبة لاستقبال أى تسريب يخص مسؤولًا فى الدولة، أو سياسيًا ينتمى لمعسكر آخر غير معسكرهم، تختفى شعارات النشطاء والإخوان عن حرمانية التسجيلات وعدم قانونيتها وتختفى مصطلحات انتهاك الخصوصية، وتتلاشى مبادئ عدم ترويج التسريبات، وتختفى تمامًا كلمات خاصة بعدم مصداقية التسجيلات والتلاعب بها، يروجون لها وينقلونها كما لو كان ماورد فيها حقيقى تمامًا دون التعلل بإمكانية حدوث فبركة، أو مونتاج كما يفعلون مع التسريبات التى تخص نشطاء مثل إسراء عبد الفتاح وعبد الرحمن القرضاوى وأحمد ماهر والبرادعى.
تبدو الجريمة هنا أوضح، جريمة الكيل بمكيالين أو ازدواجية المعايير، وهو مفهوم أخذ هيئته السياسية وانتشر فى عام 1912، للإشارة إلى مجموعة من المبادئ تتضمن أحكامًا مختلفة لمجموعة من الناس بالمقارنة مع مجموعة أخرى، مبادئ ينظر إليها على أنها مقبولة لاستخدامها من قبل مجموعة من الناس، ولكنها تعد غير مقبولة ومن المحرمات عندما تستخدم من قبل مجموعة أخرى. ووفقًا للتعريف يعد الكيل بمكيالين نوعًا من التحيز الظالم لأنه ينتهك مفهومًا أساسيًا فى الفقه القانونى يقول بأن جميع الأطراف يجب أن تقف على قدم المساواة أمام القانون.
مظاهرات 25 يناير
هذا بالضبط مايفعله النشطاء والإخوان، حينما يرون فى التسريبات الخاصة بمسؤولين وسياسيين فى المعسكر المضاد لهم فرصة للفرحة والشماتة وترويج مابها، بينما يرون فى التسريبات الخاصة لهم كنشطاء أو للإخوان أو للسياسيين فى نفس معسكرهم جريمة قانونية وانتهاك للحريات.
من زاوية أخرى، يريد النشطاء والإخوان من جموع الشعب المصرى ألا يصدقوا ماورد من فضائح وخيانات واضحة فى تسريبات النشطاء والإخوان، ويريدون من المواطنين الاقتناع تمامًا بأنها مفبركة وجريمة قانونية، وفى ذات الوقت يريدون من الشعب المصرى أن يصدق كل مايرد فى تسريبات خاصة بالمسؤولين دون الحديث عن إمكانية فبركتها، ودون الحديث عن كونها جريمة قانونية، فكيف أصدق فئة تستبيح لنفسها ماتحرمه على الآخرين، كيف أصدق مجموعة تدعى الإنصاف واحترام القانون، وفى اختبار التسريبات المستمر عقب ثورة 25 يناير تسقط مرارًا وتكرارًا ،وتكشف عن وجهه القبيح الذى يقبل فعل التسريبات طالما يضر الخصوم، بينما ترفض فعل التسريبات والتسجيلات طالما سيضر معسكرها.
حينما سئل سيدنا الإمام على بن الحسين، رضى الله عنه، عن مفهوم التعصب والعصبية، قال فى كلمات موجزة مايفسر لك تلك الحالة المرضية التى يعانى منها الإخوان وبعض النشطاء السياسيين فى مصر، قال حفيد النبى عليه أفضل الصلاة والسلام: «الْعَصَبِيَّةُ الَّتِى يَأْثَمُ عَلَيْهَا صَاحِبُهَا، أَنْ يَرَى الرَّجُلُ شِرَارَ قَوْمِهِ خَيْرًا مِنْ خِيَارِ قَوْمٍ آخَرِينَ».
وهذا نصًا مايفعله النشطاء والإخوان يرون فى جرائم البرادعى وتفاهته وقلة خبرته و«هطل» تصريحاته، وضعف رؤيته ووعيه بالوضع المصرى أمرًا عاديًا بل ويزيفون الواقع ويبررون ذلك بأن الرجل مترفع، وأن الإخوان مضطهدون والخطأ وارد والتسامح مع عنفهم واجب لمجرد أنهم يشاركونهم فى معسكر العداء للدولة، بينما يروون فى تصريح خاطئ لوزير أو التسريبات الخاصة بالمسؤولين جريمة لا تغتفر وخراب لوطن، ويرون فى تسريبات المسؤولين مالا يرونه فى تسريبات النشطاء، الأولى تستحق الاحتفاء والترويج، والثانية مخالفة للقانون وانتهاك للحريات..فهل من طبيب نفسى يعالج تلك الشيزوفرينيا الأخلاقية المتجذرة فى قيادات وشباب الإخوان، وبعض من نشطاء زمن مابعد الثورة؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة