طارق الخولى

25 يناير.. بين الثورة والمؤامرة «2»

الإثنين، 16 يناير 2017 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد ست سنوات من قيام ثورة يناير، ما زال البعض ينشغل بشكل كبير فى معارك كون «25 يناير»، ثورة أم مؤامرة، ففى اعتقادى أن هذا قد صار جدلًا عقيمًا، لا يسمن ولا يغنى من جوع، فمصر ماضية ولن يستطيع أحد بعون الله وحوله أن يعرقل طموحاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية من أن تتحقق، حتى نستطيع مواجهة تحديات كثيرة، فمصر تخوض حرب بقاء للحفاظ على تماسك كيان الدولة المصرية فى فترة حالكة السواد فى عمر أمتنا العربية، فالوطن العربى الآن يتمزق لدويلات، تنفيذًا لمشروع «الشرق الأوسط الجديد» الأمريكى، لتصبح إسرائيل الدولة الصغيرة قوة كبرى، ودولة عظمى فى محيطها، بعد تقسيم الأرض وتدمير الجيوش العربية، التى لم يتبقّ منها سوى الجيش المصرى العظيم، الصامد رغم كل التحديات غير المسبوقة، التى تنهش فى عرض الأمة العربية. ففى ظل هذا الوضع الخطير، لن أتناول ثورة 25 يناير من زاوية رجمها أو حتى مغازلتها، إنما تحليلها بهدوء، وبعيدًا عن أى تعصب فكرى أرعن، فالثورة هى الخروج عن وضع راهن وانتفاضة الشعب، بسبب الغضب أو التطلع إلى الأفضل، بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه ضد نظام حكم فاسد ومستبد، أو حتى خائن وتابع، أو محتل معتد. وذلك لإحداث تغيير جذرى فى شتى مناحى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بما يحقق فى النهاية الاستقلال الوطنى، إذا كانت الثورة على نظام حكم محتل أو تابع لاحتلال عسكرى أو سياسى أو أيديولوجى، أو طموحات الوصول لنظام سياسى نزيه وعادل يحمى الحقوق والحريات ويسعى لنهضة شاملة للمجتمع.
 
الثورة فى حياة الأمم تختلف فيها مسببات إحداث ولحظات الوصول وتحقيق ذروة انتفاضة الشعوب من جنس لآخر، فهذه اللحظة، أى لحظة ذروة الانتفاضة، ليست نمطية الحدوث، وإنما يرجع اختلافها ليس للوعى الفكرى فحسب، ولكن كذلك للتكوين التراكمى والجينى لعراقة الشعب، وعظمة جماعته البشرية، وروعة إسهاماته الإنسانية لأجياله المتتابعة على مدار قرون طويلة، فهنا تحضر جماهير الشعب المصرى ويمكن التطرق إلى ماهية وعظمة تاريخ هذا الطرف، الفاعل الحقيقى لثورتى 25 يناير و30 يونيو.
 
فالأركان الأساسية لأى دولة أربعة.. هى: الجماعة البشرية «الشعب»، والإقليم، والنظام السياسى، والاعتراف الدولى. فمصر يكمن سرها وسحرها وبهاؤها وعظمتها فى جماعتها البشرية قبل أى شىء.. فهذا الشعب قد احتار الكثيرون فى فهمه، ففشلوا فى حساب ردود أفعاله، وفى توقع انتفاضاته، فهو المتفرد الذى استطاع أن يبتلع ويستوعب كل الثقفات التى جاءته معتدية، فأثر فيها قبل أن يتأثر بها، فسنجد أن الغزاة من مشارق الأرض ومغاربها الذين جاءوه مستعمرين قد فشلوا فى إضفاء لغتهم وثقافتهم عليه، بل اضطروا فى كثير من الأحيان إلى إتقان لغته والتمرس بعادته وتقاليده، بعكس تجارب دول المغرب العربى مثلاً التى تأثرت بالاحتلال الفرنسى، فصارت شعوبها، للأسف، تجيد اللغة الفرنسية أفضل من العربية. إذًا فأنت أمام شعب متفرد، يجمع فى طيات شخصيته الكثير، حتى من المتناقضات والمعضلات، فقد أبدع الشاعر «عبدالفتاح مصطفى» فى قصيدة «طوف وشوف»، فكتب فى وصفه.. شوف آثار أجيال ملوا الدنيا حضارة وابتكار/ علموا قلب الحجر يوصف معارك الانتصار/ علموه يبقى سفير الدهر ليهم بالفخار/ كان نهار الدنيا ما طلعشى وهنا عز النهار.
 
كما أعتقد أن من أدق من حللوه وحالفهم التوفيق فى إبراز حالات ثورته ومسببات انتفاضته، هو «الحجاج بن يوسف الثقفى» فى وصفه للمصريين فى وصيته لـ«طارق بن عمرو»، حيث قال: «إذا ولاك أمير المؤمنين أمر مصر فعليك بالعدل فهم قتلة الظلمة، وهادمو الأمم، وما أتى عليهم مقبل بخير إلا التقموه كما تلتقم الأم رضيعها، وما أتى عليهم مقبل بشر إلا أكلوه كما تأكل النار أجف الحطب، وهم أهل قوة وصبر وجلدة وحمل، ولا يغرنك صبرهم ولا تستضعف قوتهم، فهم إن قاموا لنصرة رجل ما تركوه إلا والتاج على رأسه، وإن قاموا على رجل ما تركوه إلا وقد قطعوا رأسه، فاتقِ غضبهم، ولا تشعل نارًا لا يطفئها إلا خالقهم، فانتصر بهم، فهم خير أجناد الأرض، واتقِ فيهم ثلاثًا: نساؤهم فلا تقربهن بسوء وإلا أكلنك كما تأكل الأُسود فرائسها، وأرضهم وإلا حاربتك صخور جبالهم، ودينهم وإلا أحرقوا عليك دنياك، وهم صخرة فى جبل كبرياء تتحطم عليها أحلام أعدائهم وأعداء الله». إذًا فالمصريون عبر الأزمان لا يجورون على من أحسن إليهم، يثورون فقط فى ثلاث حالات: أن يُمس عرضهم أو أرضهم أو دينهم.. إما اعتداءً أو استبدادًا.
 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة