مصطلح الربيع العربى لا يوصف واقعا فعليا.. وإنما يعبر عن أمنيات ورؤية «أمريكية- أوروبية» للمنطقة
الوهم الأول أن الحراك السياسى الذى بدأ بتونس، وانتقل سريعا إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن هو ظاهرة واحدة ممتدة، شكلت ما عرف بثورات العرب، والحقيقة أننا إزاء خمس ظواهر مختلفة تماما من حيث طبيعة كل دولة، والقوى التى قادت الحراك السياسى فيها علاوة على القوى التى استفادت منه، كان بين الثورات الخمس تقارب زمنى وحضور كبير للشباب، وضعف واضح للأحزاب والكيانات السياسية، لكن الاختلافات بين الدول الخمس كانت أكبر وأعمق، نتيجة تطور تاريخى ومجتمعى طويل، فالأوضاع القبلية والطائفية حاضرة بقوة فى سوريا واليمن وليبيا، وتكاد تكون غير معروفة فى مصر وتونس، وكانت مصر وتونس قد نجحتا فى تأسيس دولة حديثة وجيش احترافى وتعليم غير مسيس، بينما عانت الدولة والجيش فى اليمن وسوريا وليبيا من الطائفية والجهوية والقبيلية، ولا شك أن اختلاف أوضاع الدول الخمس هو ما أدى بعد ست سنوات إلى مسار مختلف لكل دولة ونتائج مغايرة، فقد انهارت الدولة فى اليمن وليبيا وسوريا، واقتربت الدول الثلاث من التقسيم بينما نجت مصر وتونس.
الوهم الثانى هو المقارنة بين الدول الخمس، حيث تعمد البعض المقارنة بين نتائج 25 يناير فى مصر، وبين نتائج ما جرى فى ليبيا أو سوريا أو اليمن، وهى مقارنة ظالمة وغير منطقية، فكما أشرت هناك اختلافات هائلة بين هذه الدولة، ولا يصح أن نقارن مصر كدولة مؤسسات راسخة وضاربة فى التاريخ بمؤسسات الدولة الطائفية فى سوريا أو اليمن، ومن المستحيل أن نقارن حالة اللادولة فى ليبيا الجماهيرية القبلية- الجهوية بالدولة فى مصر، وطبعا نفس الكلام ينطبق على الجيش. من ناحية أخرى حاول البعض المقارنة بين مصر وتونس، وهما أقرب من عدة نواحى اجتماعية وسياسية، لكن تبقى لكل بلد خصوصيته وظروفه الخاصة، فأوضاع الجيش فى تونس ومصر مختلفة، كما أن تونس تحظى بمستويات تعليم أفضل ومنظمات مجتمع مدنى أقوى وأكثر رسوخا فى مقدمتها الاتحاد العام للشغل.
الوهم الثالث مصطلح الربيع العربى، فهو غير دقيق أو محدد، ولا يوصف واقعا فعليا، وإنما يعبر عن أمنيات ورؤية أمريكية- أوروبية للمنطقة لا تخلو من استعلاء غربى وروح استشراقية، فالإعلام ودوائر صنع السياسة الغربية حاولت أن ترى ثورات العرب كنوع من الاستنساخ لما جرى فى شرق أوروبا من تحولات سياسية، صبت فى مصلحتها على حساب روسيا، ولم تدرك الاختلافات بين واقع شرق أوروبا، والواقع العربى، والاختلافات الأهم بين الدول العربية ومدى حاجتها للإصلاح عوضا عن الثورات التى لا تستند إلى رؤية سياسية أو برامج عمل، كما تفتقر للقيادات والنخب السياسية الواعية القادرة على قيادة وتنظيم عملية التغيير والإصلاح المنشود، من دون التورط فى الطائفية أو الجهوية أو التأسلم السياسى وخلط الدين بالسياسة.
الوهم الرابع أن الثورات الشعبية فى الدول الخمس ضد الأنظمة الاستبدادية كانت مؤامرة خارجية أو غربية تحديدا ضد العرب، بهدف تمزيق وتقسيم الدول العربية، وهدم مؤسسات الدولة فيها، أعتقد أن هذه المقولة تحتاج إلى مراجعة، لأنها تنفى عن الشعوب العربية القدرة على العمل المستقل والإرادة الحرة، وتصور شعوبنا على أنها مفعول بها دائما، وقناعتى أن الثورات الخمس هدمت الاستقرار الداخلى، مما سمح لقوى خارجية عديدة بالتدخل والتآمر، وهو أمر طبيعى وسلوك بديهى، حيث تتآمر كل الدول على بعضها لتحقيق مصالحها، لكن الوهم أن نضخم موضوع المؤامرة، ونجعل منه آلية حاضرة دائما لتبرير فشلنا وأخطائنا الداخلية وتعليقه على شماعة قوى خارجية مجهولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة