لم يخرج علينا الصفوة من علماء الاقتصاد بحلول مبتكرة لجذب «الأخضر» ودعم الجنيه
فى «ألس فى بلاد العجائب» تصحو الصغيرة فجأة، فتجد أن كل شىء تضخم حولها، بينما تضاءلت هى وصارت فى حجم النملة، هذا ما شعرنا به جميعا بعد أن واجهنا كابوس التعويم، كل شىء تضخم حولنا، وصرنا فى حجم النملة، رغم أن الحكمة السائدة كانت عيش نملة تأكل سكر، فإن السكر تضخم علينا أيضا، أصبح سلعة نادرة نروى عنها القصص والأساطير، فهذا نزل عليه كيلو من خيرات الله وآخر شرب شربات فى عرس ما، قصة درامية يشعر فيها الجميع بالعار بعد أن هانت عملتنا الوطنية لتصبح قيمتها 5 صاغ عند الآخرين، وأن تتضاعف أمامك أسعار كل السلع، ويدك تتقلص ومرتبك يخبو واحتياجات بيتك تزيد، المخيف فى هذا الكابوس أننا لم نجد طريقة لمواجهة الوحش.
لم نر ملامح أى استراتيجية سريعة لمواجهة ارتفاع سعر الدولار إلا دعاء المسؤولين لتنزل معجزة من السماء أو صاعقة تخسف بالدولار الأرض. لم نشعر بأن الدولة قامت بأى خطوة للحد من الاستهلاك الدولارى أو الإنفاق الوزارى أو تطوير القطاع الصناعى والزراعى، ورفع حجم التصدير والإنتاج، لم نسمع عن مبادرة من رجال الأعمال المصريين لوضع حلول سريعة وعملية لجذب الدولار، ورفع القيمة النقدية للجنيه، لم يخرج علينا الصفوة من علماء الاقتصاد بحلول جديدة أو مبتكرة أو حتى يطبقوا تجارب ناجحة لدول خرجت من هذا الإعصار، لم نسمع إلا الدعاء و الوعود وفك السحر وجلب الحبيب ونكب الغريب، مجرد كلام وأمانى لا تزيد عما نسمعه فى جلسات المقاهى أو دردشة الفضائيات، لم نشعر بعد بدور للحكومة او للصفوة فى مواجهة غول الغلاء، رغم أن الشارع المصرى فاض بمظاهر غريبة ومؤلمة، فإنها لم تحرك أحدا منا حتى الآن، سيدات ورجال عجائز يبكون على أبواب الصيدليات بسبب غلاء الدواء، وسيدات بسطاء يقفون فى حيرة وذل أمام أسعار ألبان الأطفال أو طعام يشبع الصغار، وملايين الأباء الذين يشعرون بالعجز فى فتح بيوتهم أو تربية الأبناء.
كل هذا لم يهز المسؤولين أو يحرك القادرين على اتخاذ قرار، فلا الحكومة فرضت استراتيجية جادة لرفع هذا البلاء ولا الكوادر والصفوة ورجال الأعمال التفتوا لهذا العناء، شعب بكامل أطيافه يواجه أزمة طاحنة بهذا التكاسل والتواكل والغباء، وينتظر رحمة السماء. ومازال البعض يغنى ويطنطن بالوطنية والانتماء، أى انتماء هذا الذى ندعيه وكل منا لا يرى إلا نفسه ومصلحته، أى وطنية نبتغيها إذا كنا جميعا نستغل المحنة لنحولها الى مكاسب شخصية وكأنها غنائم حرب نحن فيها القاتل والضحية، فما من تاجر إلا ضاعف أرباحه، وما من مصنع إلا زايد على أسعاره، وما من مهنة إلا وغالت فى مكاسبها، ونشكو الفساد و نلعن الغلاء، وكلنا يطبخ ويأكل من نفس الإناء، فأى فساد أشد من فساد مجتمع يأكل فى بعضه بلا رقابة حكومية أو رحمة إنسانية، وفى النهاية نتمسح فى رسائل خائبة نرسلها لبعضنا البعض لزيادة الصدقة وتحمل الصدمة، أين نحن من تجارب دول ومجتمعات كثيرة واجهت هذه المصائب بطرق عملية ووطنية تكاتف فيها الجميع حتى رفعوا القيمة النقدية لعملاتهم، وواجهوا الغلاء وقلصوا التضخم. الهند والأرجنتين والبرازيل ونيجيريا وماليزيا، كل هذه الدول واجهت نفس الشبح، وتغلبت عليه بنسب متفاوتة، ولكنها فى النهاية تحركت وسعت وتعاون كل من فيها بشكل أو بآخر، لكن المجزرة التى نعيشها الآن لم تعرفها أى دولة فى العالم، حتى إن الدولار أصبح سلعة تجارية يكتنزها القادرون، ويتكسب منها المكسحون، فتجارب هذه الدول لم تعرف هذا الكم الهائل من الانتهازية فى التعامل بين الأفراد والاستحلال والاستباحة فى التعاملات المالية بين الناس، ولم تعرف تهاونا فى مؤسسات الدولة او تكاسل المسؤولين. لذلك يشعر أغلبنا بالعتمة والقلق، فلا أنت تعرف طريقا تمشى الدولة فيه، ولا أنت تجد حولك من تستند عليه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة