حتى فى الدول الرأسمالية الكبرى التى تعتمد اقتصاد السوق فى نظامها الاقتصادى، لا يتم ترك الدواء مفتوحا، مثل باقى السلع، أو للمغامرات والتدخلات. وضربنا مثالاً بفرنسا فى التسعينيات من القرن العشرين، وهى من الدول التى لديها نظام تأمين صحى قوى، عندما رفعت شركات الدواء الأسعار بشكل كبير، طلبت وزيرة الصحة وقتها من الشركات أن تسهم فى تخفيض مبالغ لصالح التأمين الصحى، أو أن تقدم مبالغ عينية، وعندما رفضت شركات الدواء، أعلنت الوزيرة أنها سوف تتعاقد مع شركات أخرى لشراء أدوية التأمين الصحى، ولأن الدولة هى أكبر زبون للدواء، رضخت الشركات وخفضت الأسعار للتأمين الصحى، وكانت الوزيرة والشركات يعلمون أنهم يحققون أرباحا ضخمة.
المفارقة أنه بالرغم من أن نظام التأمين الصحى لدينا ليس على مستوى فرنسا، تظل المستشفيات العامة والجامعية أكبر زبون للدواء والمستلزمات الطبية، وبالتالى فمن الممكن أن يكون هناك تفاوض جماعى للدواء، يفرض نوعا من الترشيد فى أسعار الدواء، وأن تشارك فى هذه المفاوضات المستشفيات العامة والجامعية وغيرها، بل يمكن أن تدخل فيها المراكز والمستشفيات الخاصة.
بالمناسبة فإن هذا التفاوض لا يعنى تخسير المنتجين والمستوردين، لكن الحصول على أسعار عادلة للدولة، وللمريض الذى يدفع الثمن فى كل الأحوال، مع الأخذ فى الاعتبار أن أسعار الخامات والأصناف المستوردة معلومة للصحة ولأطرافها.
هذا بالطبع مع أهمية الإسراع فى إنجاز نظام للتأمين الصحى، بديلا عن نظام عشوائى لم يعد صالحا للعصر ولا مناسبا. وهو نظام فيه الكثير من الثغرات، والأنظمة المتعددة والمتعارضة لا هى عام ولا خاص ولا تعاونى، ويمكن فى حال إنجاز مشروع شامل للعلاج، أن تكفى الموازنات المهدرة، وحتى فى حال تمويل غير القادرين، فإن الموازنات سوف تكفى. ويمكن فى حال سد الثغرات، توفير موزانات ضخمة، تضيع فى قنوات الإهمال والفساد.
ومن دون التفكير بشكل شامل، سوف تتكرر الأزمات، ويفترض إشراك كل أطراف العملية، فيما يتعلق بالدواء والعلاج، ووضع الأوراق كلها على مائدة واحدة حتى لانفاجأ مرة أخرى بعمليات ضغط وتلاعب، ورفع أسعار غير متوقع، لأن الدواء والعلاج قضية لا تحتمل أى نوع من التهاون، وحتى لا نتعامل بشكل جزئى مع القضية، ولا يمكن الرهان على اختراع المزيد من المجالس العليا، أو اللجان التى تمثل تجارب فى التعثر والتسويف وليس فى الحل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة