كل ما فيه تنفير وتكفير وعنف وغلظة وجفوة وقسوة ليس من الشريعة فى شىء
«الشريعة عدل كلها، ورحمة كلها، وحكمة كلها، ومصلحة كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أُدخلت فيها بالتأويل».
هذه الكلمات العظيمة من العلامة ابن القيم تلخص بعض كليات ومقاصد الشريعة الإسلامية، ويتطابق معها فى معناها قول الشيخ المراغى «قدموا لى أى شىء ينفع الناس، وأنا أنبئكم بسنده من الشريعة الإسلامية».
ويمكن البناء على هذين القولين العظيمين بقول ثالث وهو «اذكروا لى أى شىء ضار للبشرية وسآتيكم بدليل منعه من الشريعة الغراء». ويمكن البناء على ذلك كله بالآتى:
كل ما فيه تنفير وتكفير وعنف وغلظة وجفوة وقسوة فليس من الشريعة، وكل ما فيه تبشير وهداية ورحمة ورفق ومودة فهو منها.
وكل ما فيه عدل وإنصاف فى الغضب والرضا ومع العدو والصديق والقريب والخصم فهو منها، حتى وإن لم تذكره الشريعة أو لم يرد فى نصوصها أو تعلمناه من غيرنا فهو منها.
وكل ما فيه ظلم أو هضم لحقوق الناس أو تعذيب أو أكل أموال الناس بالباطل أو غش أو خداع لهم فليس منها.
وكل ما فيه حفظ للأنفس وحفظ لأعضاء الإنسان فهو منها، لأن الأنفس بنيان الله خلقه بيده ونفخ فيه من روحه وكرمه، والأصل فى الأنفس جميعا العصمة سواء مسلمة أو غير مسلمة، ولا يجوز هدمها بسبب الاختلاف فى الدين أو العرض أو المذهب أو اللون.
وكل سب أو شتم أو تخوين أو طعن بغير حق أو تعذيب أو تفجير أو قتل لمتظاهر سلمى أو ضابط أو جندى فليس من الشريعة، وإن بدا للبعض زورا أنه منها.
وكل ظلم اجتماعى ينال الفقراء أو اليتامى أو المساكين أو الأرامل أو المطلقات أو ضعفاء الناس أو هضم حقوقهم فليس من الشريعة، وكل رحمة بهم أو صدقة لهم أو لمستشفى يخدمهم أو مؤسسة تخفف عنهم أو دار للأيتام أو المسنين فهو منها.
وكل من يفجر كابلات الكهرباء أو يحرق عربات الترام أو المترو أو يعطل القطارات أو يحرق الأتوبيسات أو المحلات العامة أو الخاصة أو الكنائس أو المساجد أو مقار خصومة الحزبيين أو المذهبيين أو الدينيين فليس من الشريعة ، ولا يبرر ذلك أن يكون هناك ظلم وقع عليه أو أسرته أو أحد أفرادها.. فالظلم لا يرد بالظلم، والهضم لا يرد بمنكر أكبر منه، فالظلم يرد بالعدل «ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ».
وكل سبب يدعو إلى الحرب دون هدف فليس منها.. فالأصل فى العلاقة بين الناس هو التعايش والتعاون والتنافس فى الخيرات والتسابق فى الفضائل «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا»، لا لتتقاتلوا أو تتصارعوا أو يدمر بعضكم بعضا أو يذبح بعضكم بعضا.
وكل سبب يدعو إلى إفساد ذات البين وتمزيق المجتمع وهدم مؤسساته أو ضرب وحدته الوطنية فليس منها، وكل سبب يدعو إلى الصراع المدمر على المناصب أو الدنيا بين أبناء الوطن الواحد فليس منها. فقد أباحت الشريعة إمامة الفاسق فى الصلاة إذا كان ذلك يوحد المسلمين، وأباحت ولاية المفضول فى وجود الفاضل طلبا للتوحد، وأباحت أن يتنازل الحاكم عن منصبه أو يقدم غيره طلبا للألفة والوحدة، لأنها من مقاصد الإسلام العليا، ففساد ذات البين هى الحالقة التى تحلق الدين كما وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم.
هذه هى الشريعة الإسلامية عدل ورحمة ومصلحة وحكمة ورفق ومحبة ويسر وتوحد وأخلاق فاضلة كلها، فما كان يصب فى غير ذلك فهو ليس من الشريعة، وإن أدخل فيها زورا وبهتانا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة