"يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة إطلالة من نافذة صغيرة على مروج لا نهاية لها، لذلك قلت فى أحد نصوصه: "أنا الذى لم أرَ من العالم إلا ما يراه الأعشى فى السديم"، غالبًا ما كان النص برمته ينطلق من فكرة بسيطة أو لحظة إنسانية صغيرة، ليتفرع عنها الكثير من الحكى غير المخطط له، فالحكيم لاوتسو كان يقول: "المسافر الجيد ليست لديه خطط محددة، ولا يعتزم الوصول"، فأنا لم أخطط للسفر، ولم أخطط للكتاب، ومثلما تركت للصدفة مهمة القيادة فى هذه الرحلات تركت لها أيضًا المهمة ذاتها تقريبًا فى ترتيب الكلمات، يمكن اعتبار هذا الكتاب أيضا بمثابة وعد يتردّد فى أعماق كائن يرغب فى أن يضع قدميه فى الجهات الأربع لهذه الأرض قبل أن يغادرها"، إنها جزء من المقدمة كتاب "خريف فرجينيا، رحلات إلى أوروبا وأمريكا"، الصادر حديثا للشاعر المغربى عبد الرحيم الخصار، عن دار نشر "كرّاس المتوحد" بالمغرب .
الكتاب يدخل بقوة ضمن أدب الرحلة، ويشار إلى أنه سبق للكاتب أن أصدر عددًا من الأعمال الشعرية بالمغرب ومصر ولبنان، ويقع كتاب "خريف فرجينيا" فى 118 صفحة من القطع المتوسط، وستصدر قريبًا الترجمة الفرنسية للكتاب بتوقيع الكاتب المغربى محمد حمودان، المقيم حالياً فى باريس.
ويصف الناشر نصوص الكتاب، فى كلمة على غلافه، قائلاً إنه: "سرد لتفاصيل مشوقة من رحلات الكاتب إلى ثلاث ولايات أمريكية هى فرجينيا وكاليفورنيا وإلينوي، إضافة إلى مدن أوروبية أخرى هى: لندن وبروكسيل ولوديف ومارسيليا، مع مادة خاصة عن المنزل الذى كان يعيش فيه الشاعر اليونانى كفافيس فى الإسكندرية. يجمع الكتاب بين الثقافى والإنسانى والمؤثر والطريف، كما يقدم ولأول مرة فى العالم العربى تقارير خاصة عن مكتبة سيتى لايتس التى ترعرع فيها جيل البيث بسان فرانسيسكو، والطاحونة الخضراء بشيكاغو. كل ذلك بأسلوب شيق ولغة عربية أخاذة تجمع بين السرد والشعر".
وفى أحد نصوص الكتاب نقرأ: "كان نداء بروكسيل يتردد فى الداخل، حتى أن قرع الأجراس كان يتناهى إلى مسمعى بين فينة وأخرى. لا بدّ من الذهاب إلى بروكسيل وبعدها أمستردام ثم النزول إلى لوكسمبورج عبر بلاد السيد هولدرلين. قلت هذا مع نفسى وأنا أجرّ حقيبة بنيّة صغيرة اشتريتها من شارع ديدوش مراد بالجزائر، حقيبة لا تحمل الكثير من الملابس، لكنها تحمل معى ذلك الشعور العميق الذى يحمله كائن يرغب أن يطوف العالم بالطائرة والقطار والحافلة والسيارة ومشيا على الأقدام، كائن يحس أن الحياة قصيرة، وأن العالم ليس قرية كما يشاع".
ومعظم الرحلات جاءت في سياق إقامات إبداعية أو أمسيات شعرية منظمة خلال مهرجانات أدبية ولقاءات ثقافية. لكن عبدالرحيم لن يُغفل الهروب إلى خارج القاعات والنزل، إلى الشوارع الخلفية حيث الحي الصيني في بلاد الهنود الحمر أو حيث الأبنية الخفيضة بالقرميد والأزقة الضيقة والنوافذ الكبيرة المشرعة على بعضها في الريف الفرنسى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة