تغير العالم كثيرا، وجفت أنهار عديدة كانت تجرى محملة بالحكايات، وتبدلت الأرض ومعها تغيرت نفوس الناس، حتى إن الحكايات التى كانت تملك سحرا وجاذبية ومحبة ومؤاخاة، عندما يحاول البعض إعادتها لا تنجح، ومن ذلك ما حدث فى كاتدرائية سانت مارى بإسكتلندا، فبعد أن قرأت فتاة مسلمة سورة مريم داخل الكنيسة غضب الجميع.
الفتاة ظنت أن ما حدث قديما بين المسلمين المهاجرين إلى الحبشة فى حضرة النجاشى من الممكن أن يحدث فى أوروبا المعاصرة، فكتب التاريخ تقول: إن المسلمين بعد استقرارهم فى بلاد الحبشة أرسلت قريش عمرو بن العاص وعبدالله بن عتبة ليردوهم، وذهب الرجلان محملين بالهدايا، لكن النجاشى وكان رجلا مسيحيا، وملكا عادلا، رفض أن يردهم قبل أن يسمع قولهم، وبعث فى طلب المسلمين المهاجرين، فلما جاءوه سألهم «ما هذا الدين الذى فارقتم به قومكم ولم تدخلوا به فى دينى ولا فى دين أحد من الشعوب؟»، فتولى جعفر بن أبى طالب الجواب فأحسن القول، ولما أحس عمرو بن العاص بأن الأمور تتفلت من يده، قال للنجاشى: إنهم يقولون فى عيسى وأمه قولا مخالفا، فظهر الغضب على وجه النجاشى، وقال لجعفر بن أبى طالب: «ما تقولون فى عيسى؟»، فقرأ جعفر ما تيسير من سورة مريم من أولها إلى قوله تعالى: «فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبياً قال: إنى عبدالله أتانى الكتاب وجعلنى نبياً وجعلنى مباركاً، أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة ما دمت حياً وبراً بوالدتى، ولم يجعلنى جباراً شقياً والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حياً»، ولما سمع النجاشى ذلك قال: «إن هذا الذى جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة»، ثم التفت إلى وفد قريش وقال لهم: «والله لا أسلمهم إليكم أبداً».
أما ما حدث مؤخرا، كما ذكرت وكالات الأنباء فهو أن ديفيد شليجوورث، رئيس الكنيسة الأسقفية الأسكتلندية، اعتبر أن إهانة كبيرة وقعت عندما دعت كاتدرائية سانت مارى الأسقفية بغلاسغو، فى عيد الغطاس مجموعة من المسلمين المحليين، حيث قرأت فتاة معهم آيات قرآنية من سورة مريم، ولم تقبل رد الكاتدرائية بأنها أرادت تشجيع وبناء العلاقات بين الأديان، كذلك دعا القس مايكل نظير، أسقف ريشستر السابق، سلطات الكنيسة الأسقفية إلى إجراء تحقيق فورى فى الأمر، وتوقيع العقاب التأديبى المناسب على المشاركين فى توجيه الدعوة.
لقد تغير العالم للأسوأ، ولم تعد المحبة الحقيقية سائدة، ولم نعد قادرين على فهم الرسائل والإشارات التى تجعلنا على الأقل متقبلين لوجودنا جميعا، ولم نعد نرى أن كلام محمد وعيسى عليهما السلام يخرج من مشكاة واحدة.