رأى الكاتب شريف صالح، أن الشيخ السعودى عائض القرنى، لا يختلف فى رؤيته للفنون والآداب عن الشيخ يوسف القرضاوى، أو جماعة داعش المتطرفة، وأنه أخطأ عندما وضع القرآن الكريم فى مقارنة مع الأدب الذى وصفه بـ"كلام البشر الأغبياء"، لأنه بذلك لا ينزه الكتاب المقدس نفسه، ويضع الإلهى فى مقارنة مع البشرى، والمطلق فى مقارنة مع النسبى، إضافة إلى احتوائه على تحقير للمنجز البشرى أساسًا.
وقال شريف صالح فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع": سأبدأ كلامى بهذه الطرفة.. جاء قوم إلى أبى حنيفة، فقالوا: ما تقول فى رجل وجد معه طنبور "آلة موسيقية وترية"، هل يجب عليه تأديب؟ فقال: لا، قالوا: ولمَ وقد وجد معه آلة الفسوق؟! قال: كل واحد منكم معه آلة الزنا، فهل يجب عليكم حد؟ فانقطعوا، تلخص هذه القصة الموقف التراثى العدائى من الفنون والإبداع رغم أن أبا حنيفة حاول أن يتخذ موقفًا عقلانيًا نوعًا ما.
وأضاف "صالح": منذ أكثر من ألف عام ونحن نعانى من تلك النظرة الأصولية المرتابة والمضادة لكل أنواع الإبداع، والتى تنتهى إلى تحريمها بالطبع، لا يختلف عائض القرنى عن "القرضاوى" و"داعش" من منطلق أن العمل الوحيد المسموح به هو ما يتعلق بالعبادة فقط، وفى هذا إلغاء للحياة بكل مناشطها وتفاعلاتها. فبدلًا من العزف على الطنبور - قديمًا - أو كتابة رواية - حديثًا - على المسلم أن يتلو القرآن الكريم فقط.
وأضاف "صالح": مفهوم "العالِم" الذى تصدره تلك الثقافة ليس من يخترع الطائرة أو الذرة أو يبرع فى الفلك بل هو "الواعظ" مردد نفس المحفوظات، وبالتالى الكتاب الوحيد الذى يمثل الإعجاز ويجب أن نكتفى به دراسة وقراءة وعبادة هو "القرآن"، والأديان الأخرى عاشت أيضًا مراحل مشابهة حيث لم يكن ثمة كتاب ينسخ ويطبع سوى "الإنجيل"، إلا أن المطبعة - وهى واحدة من أخطر الاختراعات البشرية - كسرت كهنوت "الكَتاب" وأتاحت الفرصة للبشر أن يتداولوا الكتب وأن يعبروا عن أنفسهم ويكتبوا قصائد وروايات وأيام الشعوب.
وتابع شريف صالح: وعندما يقارن عائض القرنى بين "القرآن" و"الروايات" التى يصفها بكلام البشر الأغبياء، فهى مقارنة مغلوطة لا تنزه الكتاب المقدس نفسه، وتضع الإلهى فى مقارنة مع البشرى، المطلق فى مقارنة مع النسبى. إضافة إلى احتوائه على تحقير للمنجز البشرى أساسًا.
وأضاف شريف صالح: ثم من قال إن هناك تعارضًا بين البشرى والإلهى بالضرورة؟ وإذا كان القرآن الكريم يتضمن علوم اللغة والطبيعة - كما يزعم - فلماذا لم يقدم وعاظه وحفاظه أى إنجاز لغوى أو علمى محترم على مستوى العالم؟.
وتابع "صالح": بالطبع هذه نظرة أصولية منغلقة تعيد إنتاج التخلف لأن القرآن على عكس ذلك يدعو للنظر والتأمل والسير فى الأرض واكتساب المعرفة، وهى نظرة تهدم ركنين أساسيين من أركان تقدم أى حضارة هما: "العلم" و"الخيال"، وتصادر الحق فيهما لصالح السلطة الكهنوتية. وبفضل تلك النظرة خرج العرب من التاريخ والجغرافيا، وانغلقوا على ذات مريضة ومتضخمة ومهووسة بنصوص الماضى، حتى مع الجهل بها، ولم يكتفوا بمهاجمة شتى أنواع الإبداع وتقنيات العلم والحداثة، بل صادروا الماضى نفسه فألغوا تراث ابن رشد وابن خلدون والفارابى والجاحظ وألف ليلة وليلة اكتفاء بأمثال ابن تيمية.. وأملًا فى خلق "يوتوبيا" وهمية تعيد استنساخ الحياة كما كانت فى بوادى الجزيرة العربية قبل ألف وأربعمائة عام.
وكان عائض القرنى، قد وصف كتاب الرواية والشعر والإبداع بشكل عام بالأغبياء من البشر، مشيراً إلى أن 90% من الشباب يشترون الروايات والقصص والشعر، ويسهرون فى تأمل ما يكتبه المبدعون، ويحفظونه، فى حين أنهم يتعاملون مع القرآن الكريم باعتباره "كتاباً قديماً" على حد وصفه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة