لا يوجد في مصر حب . ولا يوجد في مصر قصص للحب ، الا في أغاني المطربة العظيمة أم كلثوم ، أو هكذا يخيل اليك من جمال صوتها وعمق احساسها – رحمها ألله – وصدق كلمات أغانيها ، مثل أغنية ودارت الأيام للشاعر الملهم مأمون الشناوي . وما عدا ذلك ، فالحياة هنا - مثلما يقولون - تشبه من يبحث عن برنامج ما ( سوفت وير ) من برامج الكمبيوتر ، وعندما يعثر على ذلك البرنامج ، فانه لا يهتم كثيرا بقراءة الشروط والاشتراطات والتحذيرات والتنبيهات التي تتصدر تنزيل البرنامج . وهو لا يحاول أن ينتبه الى المخاطر التي قد تنجم عن ( استعمال ) هذا البرنامج على ( جهازه ) المسكين استسهالا للأمور . واذا حاول أن يقرأ أو شرع في ذلك ، ظهر له من يثنيه عن ذلك المشوار وينصحه بالتراجع عن ذلك الجهد الجهيد لأن ( كل البرامج زي بعضها ) وكل الشروط زي بعضها وأن ما عليه الا أن يضغط ( كليك أوك) ويترك الأمور تسير الى مرساها . ومن الطبيعي أن يصادف الكثيرون وابلا من المشاكل نتيجة عدم قراءة ( شروط البرنامج وقهم محتوى هذا الغريب الذي أدخله في ( نظامه) ليكون جزءا منه ، فاذا به يخرب كل شىء ويدمره ويشعل فيه النيران .
لا يوجد حب في مصر ، ولكن يوجد زواج ، أو كوميديا مأساوية . والزواج مستندات وأوراق وايصالات وشيكات وقوائم أثاث وطن من الهدايا والطلبات التي قد تلامس الابتزاز ، ثم مشوار طويل أو قصير – بحسب الحال وبحسب الحظ – من المعارك والمطاردات والمحاكم .
لا يوجد في مصر حب ، الا في قلوب الشعراء . حتى لغة الشعراء باتت تنوؤ بحملها من الضجيج والصريخ والتدني والاستهانة المحيطة بها . وباتت تنوؤ بحملها من ضغط الحياة وطلباتها الكثيرة ، وراحت ترخي عزمها وقلاعها رويدا رويدا ، وتترك للتيار أن يحملها الى حيث يشاء . باتت لغة الشعراء مهيضة تتقاذفها الأمواج وتعبث بسيرها ويومها وغدها ، وتغرقها تارة حتى تكاد تلفظ أنفاسها ، ثم تنحدر عنها تارة وتتركها بين الموت والموت كغريق يتنازعه الموج والبرد . وبعض الحب في مصر مؤامرة ، تخطها امرأة ومن ورائها أسرة متآمرة تطمح في أن ( تستولى ) على رجل وتخضعه لسلطانها ورغباتها وتأخذ ( خيره ) وتغرقه في الدين وتقتات على دمه مابقى فيهم ، أو تفتك به اذا أراد النجاة والخلاص بما تبقى له من قلب وروح ومال وعمل .
أهرب من قلبي أروح على فين .. ليالينا الحلوة في كل مكان .. مليناها حب احنا لتنين .. وملينا الدنيا أمل وحنان . ليست هذه كلمات شاعر فنان ، ولكنها فاصل بين النور وبين الجنان والطمع والكذب وحب المؤامرة . فالكذب يغشى الحياة ويسكن الشوارع والطرقات ويتسكع في القهاوي ومحطات القطار ويفترش مداخل مكاتب وثيرة ويصحبنا في الطائرات الى كل مكان . ويكفيك أداء عمرة سريعة لتذهب بما هدمه كذبك وأفسده . فاذا تسأل شاعرنا وتسأل أهلنا هذا السؤال فيما مضى ، فلأنهم عاشوا حبا ورأوا بقلوبهم وبضمائرهم من يحبونهم .
لسنا نحن من اكتشف الكمبيوتر . وهو رمز الحساب ودقة الحساب , ولكننا نحن أكثر ارتباطا بالصفر والأصفار من ارتباطنا برقم آخر . ولذا، فكل ما نجمع أو نطرح لا يزيد على صفر ، بينما قام الكمبيوتر على علاقة حب فريدة بين الصفر والواحد . ومؤدى هذه العلاقة الفريدة ، أننا نستطيع أن نجرى كل العمليات الحسابية بأعداد متفاوتة من الصفر والواحد . فاذا تعبت خطوتك وتثاقل جسدك - من الارهاق ومن طلبات الحياة - الى الأرض ، وأردت أن تؤسس بيتا تأوي اليه كل آخر نهار ليكون سكنا وأمنا ، فلتنتبه الى من تمد اليهم يدك بالاتفاق والموافقة ، وأنظر في قلوبهم لترى مكنونهم وصورتهم الحقيقية ، لتعرف هل هم ملائكة أو شياطين . واذا أردت أن تدرك السعادة مع شريكة ، فلا تظنن أن القصة قصة برنامج أو ( سوفت وير) تحمله بضغطة أوك والسلام . فعليك أن تقرأ جيدا كل ما يقدم اليك من مستندات وأوراق . وعليك أن تفكر كثيرا فيما يطرح عليك من شروط واملآت ، لأنك ستنفذها جميعا راغبا أو آبيا ممتعضا ، والا انتهى بك مشوار الحب الى حيث يقبع السجناء . وهذا ( طبيعي ) في كوميديا الزواج في مصر .
أهرب من قلبي أروح على فين ؟ هذا سؤال من يحب ، ويرتع حبه في قلبه . فاذا أحببت ورأيت بقلبك من تحب ، فربما كان الأمر أجدى وأفضل أن ترضى وتقنع بما أصبت من حلو الحياة وبشرها ، وأن تظل حبيبا محبا ومحبوبا على أن تصبح زوجا مقهورا مذهولا . حفظ ألله مصر ورئيسها ووفقه وقادتها الى الخير.