ما أحوج وطن مريض لعلاج , وعلاج الأوطان يأخذ جهداً ووقتاً أكثر كثيرا من علاج البشر, بل إن علاج الأوطان عادة ما يكون علاجاً قاسياً لأنه علاج جماعي, وعلاج الأوطان فرض عين , ونحن للحق وطن مريض بالكثير من الأمراض , أصعبهم التطرف فالتطرف دينياً وسياسياً وحتى أخلاقياً في الاتجاه السلبي قد بلغ مداه, ولذا فعلى الجميع دولة ومؤسسات رسمية وغير رسمية وإعلام وفن وثقافة أن تتضافر جهودهم من أجل علاج الوطن, ولكن هل كل هؤلاء يفعلون ما يجب عليهم من علاج ؟ لا وبأعلى صوت لا فلا الدولة ولا المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية أو الإعلام إلا من رحم ربي يحاربون التطرف , بل يكاد الكثيرون منهم يزكون نار التطرف أكثر وأكثر.
أصوات قليلة وحناجر مبحوحة هي فقط التي تقف لتصرخ أنقذوا الوطن من سرطان التطرف والجهالة, فيأتي مولانا فيلماً لينضم إلى تلك الأصوات , ولكنه ليس صوتاً مبحوحاً أو ضعيف , فالسينما صوت قوي راسخ لو تعلمون.
تناولت في مقال سابق فيلم مولانا بالنقد الفني متحدثة عن السيناريو وبعض مناطق ضعفه ,والحوار وقوته ,وبراعة التمثيل خاصة عمرو سعد, وعبقرية موسيقى عادل حقي , كل ذلك تناولته ولكن في هذا المقال أنا لا أتحدث عن منتج فني بقدر حديثي عن منتج فكري , فالسينما فكرة , تستخدم لكي تصل لمشاهدها أدوات عديدة مثل الصورة والكلمة والصمت أحياناً والموسيقى وحتى الرقص والظل والضوء , كل ذلك من أجل أن تصل الفكرة , والفرق بين فيلم ذو قيمة وآخر غير ذي قيمة هو الفكرة ووسائل توصيلها .
أما مولانا فما أعظم فكرته فيلم يبحث بداخل مُشاهده عن أجمل ما في البشر القدرة على التسامح مع الآخر مهما كنت مختلفاً معه وعنه,كما أنه يحث على فكرة أن الأديان أنزلها المولى عز وجل كرسالة حب وسلام على الأرض وأن السياسة أفسدتها وفرقتنا لطوائف وفرق حتى رغم وحدة الدين.
في مولانا أنت كمشاهد ترى جزء من الواقع ممزوجاً بخيال فحادثة كنيسة القديسين حاضرة ولكن ربما كان سببها خيال من الكاتب , ومذيعو التلفزيون المأمور بعضهم من جهات أمنية يمثلهم بيومي فؤاد ولكن المشاهد يعرف أنهم كُثر , ورجال الأمن وصاحب المحطة التلفزيونية , وأخيراً وليس آخراً رجال الدين فهم بشر فيهم الضعيف والأقرب للجهالة , والذي يسيره المال فهم ليسوا ملائكة ولكن بعضهم ليسوا شياطين كمولانا.
مولانا ليس فيلم فحسب ولكنه فكرة صنع لها الفن أجنحة فطارت إلى بعض العقول فكم شاهدت من مشاهدين يبكون وآخرين يتساءلون عن المعتزلة ويبدأوا في البحث , وبغض النظر عن السن أو النوع فأغلب المشاهدين يصفقون في كثير من المواضع داخل الفيلم.
إذاً نحن صحيح وطن مريض ولكن هناك أمل كبير لو صدقنا في العلاج ليس فقط بمولانا ولكن بكثير منهم, ولو كنت وزير التربية والتعليم أو شيخ الأزهر لفرضت على طلبة المدارس مشاهدة الفيلم ولكن هل من يسمح بتدريس كتب التطرف يمكن أن يكون طرفاً في علاج الوطن ؟ لا أظن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة