طالعتنا مواقع التواصل الاجتماعى، على مفاجأة اجتماعية جديدة أثارت كثيرًا من اللغط والشد والجذب والتقييم الأخلاقى والدينى، حين وضعت شابة صغيرة صورتها مع مولودتها، وأعلنت أنها نتيجة زواج عرفى، والأب لا يريد أن يعترف بالطفلة، لذا فهى ستمنحها اسمها وستكون «سينجل ماذر» single mother، بدت الصورة وهى تحمل طفلتها ضاحكة صادمة للملايين، رغم أنها ليست الأولى ولن تكون بالتأكيد الأخيرة فى مثل هذه الحالة، فهناك آلاف من الأطفال يولدون كل يوم إما نتيجة سفاح أو زواج عرفى لا يعترف فيه الرجل بالمولود، وحتى قد يكون زواجًا رسميًا، ويدخل الرجل فى سجال قانونى لسبب أو آخر، رافضًا الاعتراف ببنوة الطفل، وإن كان هذا أمر مختلف قانونيًا.. والخلاصة أن هديل ليست وحدها الفتاة التى حملت وولدت طفلًا بلا أب يعترف به ويمنحه اسمه.
وكلنا يذكر حكاية هند الحناوى، منذ سنوات، وقصة صراعها مع أحمد الفيشاوى، من أجل الاعتراف بابنته، وإن كانت حالة هند مختلفة فى تفاصيلها لشهرة الطرفين ولمساندة والديها لها فى قضيتها، والقصة انتشرت حينها، كما ذكرت لشهرة أطراف الصراع، ولم يكن المجتمع وقتها يعرف «السوشيال ميديا» فقط كان الإعلام المرئى والمكتوب هو وسيلة النشر.
أما هديل، فهى فتاة عادية والأب غير معروف لا اسمًا ولا صورة وكان من الممكن ألا يعرف بحكايتها إلا بعض المحيطين بها ودمتم، ولكنها هى من نشرت حكايتها بيدها على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، والمثير أنها كما يبدو ليست مهتمة بالدخول فى صراع مع أبو طفلتها فقط اكتفت بتعبير أنها «سينجل ماذر»، أى أم بلا زوج، وهذا تغير نوعى بالتأكيد فى المجتمع.
ولكى نتأكد من هذا التغير، فلم تقف هديل وحدها فى المضمار بل شاركها غيرها مؤيدين موقفها معجبين بشجاعتها كما قالوا ودشنوا «هاشتاج» متضامنًا مع هديل، صحيح أن فى مقابلهم وقف من نعتوها بأسوأ الصفات والألفاظ، ولكن هناك من ساندها وعلنًا، وكل ذلك يؤكد أن المجتمع المصرى ما عاد كما يرددون دائمًا عبارة محفوظة وهى أننا مجتمع محافظ متدين.
إننى لا أكتب هذا المقال لكى أنعى الأخلاق والدين، وأقول كما يرددون فى الأفلام «هو إحنا كنا بنات يا أختى ويجزوا على أسنانهم»، ولكنى أرصد حدثًا يجب أن نقف أمامه لنتفكر جيدًا وننبه أجيالًا شابة صغيرة أن كلمة «سنجل ماذر» ليست كما يرددها مؤيدو هديل وكلهم شباب، بكلمة سهلة تصلح موضة، أو دليل قوة لامرأة، بل هو تعبير شديد التعقيد فالأم الوحيدة أو «السنجل ماذر» فى الغرب هى ليست فقط تلك التى تأتى بطفل من رجل ما وتمنحه اسمها، ولكن المطلقة التى تربى أبناءها كذلك، أو الأرملة، وكلهن يعانين، أما تلك التى تتساوى مع حالة هديل فهى الأكثر معاناة.. ولتسمع من تؤيد هديل رأى علماء الاجتماع وعلم النفس الذين يرصدون فى المجتمعات الغربية هذه الظاهرة ليس من منطلق دينى أو أخلاقى، ولكن من منطلق اجتماعى واقتصادى.. الأم الوحيدة أو «السنجل ماذر» تعانى من اضطرابات نفسية عديدة حددتها إحدى الدراسات بنسبة %60 من بينهن يصابن باكتئاب مزمن، كما حددت الدراسات ذاتها أن هذه الأمهات الوحيدات يعانين من مشاكل اقتصادية ومستوى متدنى من المعيشة مقارنة بالأمهات حتى المطلقات أو الأرامل، هذا فى مجتمع يتقبل بالأساس فكرة وجود أم بطفل بلا أب معلوم، فكيف بهديل أو غيرها فى مجتمع حتى لو ادعى قبول الفكرة على وسائل التواصل ودافع عنها فعند لحظة جادة فيها مواجهة سينسحب، لأننا مجتمع نفاقه أكثر كثيرًا من صدقه.
فلترجموا هديل، ولكنها لن تكون الأولى ولا الأخيرة، لذا فلنكن أكثر حكمة وروية وتمسكًا بالعلم، ولنناقش الأمر لكى تعرف هديل وكل هديل ماذا ينتظرها إذا هى قررت بعنترية غبية أن تكون «سينجل ماذر»، وكم ستدفع ثمنًا باهظًا تدفعه النساء فى مجتمع يقبلهن فما بال مجتمع سيفر منهن ويكتفى بمجرد هاشتاج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة