بعد محاولات مستميتة لتجاهل خسارته والتمسك بالسلطة، قرر رئيس جامبيا المنتهية ولايته "يحيى جامع" – أمس الجمعة - أن ينهى 22 عاما من الحكم، وتسليم السلطة، بعدما كانت دولته الصغيرة على شفا أن تقع فى دوامة عنف بسبب تدخل عسكرى وشيك من دول الجوار الغرب أفريقى لإجباره على التنحى.
لم يكن أمام "جامع" – الذى تولى الحكم فى جامبيا منذ 1994 – سوى خيارين: إما أن يستمر فى تشبثه بالسلطة، مدعيا وجود مخالفات شابت الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أو أن يستمع لبنود الوساطة الأفريقية للتنازل عن السلطة. وبعد 12 ساعة من محادثات اللحظة الأخيرة، اختار "جامع"، الذى فاز فى أربعة انتخابات على مدار حكمه، القبول بفوز مرشح المعارضة "أداما بارو"، والمدعوم محليا ودوليا بشكل واسع.
تنازل جامع عن السلطة فى خطاب تليفزيونى يقول فيه: "أنا أؤمن بأهمية الحوار..أنا قررت اليوم بضمير مرتاح التخلى عن عباءة هذه الأمة العظيمة".
خطاب تنحى جامع
وكان "جامع" قد صرح مسبقا لهيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى" إنه لا يخشى أن يواجه مصير الزعيم الليبى معمر القذافى، الذى قتل فى 20 أكتوبر 2011، ، لأنه إذا أراد الله أن يجعله فى منصبه مليار عام فسوف يبقى.
انتهاء المهلة
كان ظهر أمس الجمعة هو الميعاد المحدد إما لتسليم السلطة أو لبداية العملية العسكرية بقيادة خمسة دول بغرب أفريقيا من بينهم السنغال ونيجيريا، ولكن الميعاد تم تمديده دون الإشارة إلى أى بوادر عن نجاح جهود الوساطة الدبلوماسية مع جامع. وكانت القوات السنغالية قد دخلت بالفعل إلى الأراضى الجامبية وأوقفت العملية العسكرية حتى انتهاء المهلة.
دخول القوات السنغالية إلى جامبيا
ولكن أعلن، صباح السبت، الرئيس الموريتانى "محمد عبد العزيز" كما نقلت عنه صحيفة الجارديان البريطانية، أنه تم التوصل إلى اتفاق يحفظ جامبيا ومواطنيها من العنف، دون الإشارة إلى ملامح هذا الاتفاق، مشيرا إلى أن الرئيس المنتهية ولايته "جامع" سيغادر جامبيا.
ولم يتم تأكيد وجهة الرئيس الجامبى السابق "جامع"، إلا أن بعض وسائل الإعلام اقترحت أنه يتوجه إلى غينيا، على الرغم من أن نيجيريا عرضت عليه اللجوء إليها، ويعتقد أن المغرب قد فعلت نفس الشئ، بحسب البى بى سى.
ومن السنغال، صرح الرئيس الجامبى المنتخب "أداما بارو"، الذى حلف اليمين الدستورية بسفارة بلده فى داكار، بأن "عهد الخوف تلاشى من جامبيا إلى الأبد".
أداما بارو يحلف اليمين الدستورية فى السنغال
وكان "بارو" قد وصل إلى السنغال الأسبوع الماضى، خوفا من أن يتم اغتياله من قبل قوات الأمن التى كانت قد أعلنت ولائها ليحيى جامع. ولكن خلال كلمته بعد التنصيب، وجه "بارو" حديثه للقوات يدعوها بأن تعلن ولائها له كرئيسا منتخبا لجامبيا لإرساء الديمقراطية، وإلا سيتم اعتبارهم متمردين، وسيكونوا هدفا لعمليات (إيكواس) العسكرية.
أعوانك خانوك يا جامع
إلى جانب التهديدات العسكرية التى تدعمها المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس)، كانت هناك ضغوط أخرى سياسية ضد جامع، خاصة بعد استقالة الوزراء وتخلى الجيش عنه، إذ شارك قائد القوات المسلحة الجامبية "أسامة بادجى" فى احتفالات المواطنين بالشوارع بعد تنصيب "بارو"، وكان قبلها قد نفى قائد الجيش توريط قواته فى "قتال غبى" ضد القوات السنغالية.
يحيى جامع حكم جامبيا لمدة 22 عاما
كما وافق مجلس الأمن بالاجماع، الخميس الماضى، على جهود دول غرب أفريقيا، لضمان تولى الرئيس الجامبى المنتخب أداما بارو، السلطة من يحيى جامع، لكنه شدد على وجوب السعى إلى ذلك بالطرق السياسية أولا.
وقد صدم "جامع"، الرئيس الذى حكم بقبضة حديدية، العالم بعد أن أقر بهزيمته الشهر الماضى، بعد مفاجأة فوز منافسه "أداما بارو" عليه بنسبة 45,5% من الأصوات مقابل 36,7% لجامع.
مواطنون جامبيون يحتفلون بتنصيب أداما بارو
ولكن الرئيس الذى يعرف نفسه كرئيسا متدينا، ويؤمن أن رئاسته وحكمه فى يد الله وأن الله وحده هو الذى يمكن أن ينزعها منه، عاد من جديد وغير موقفه، واتهم الانتخابات بأنها شابها مخالفات، بل ورفع قضية أمام المحكمة العليا ليتم النظر فيها مطالبا إعادة عملية الاقتراع.
ويعرف عن "جامع"، الذى جاء إلى السلطة فى انقلاب عسكرى عام 1994 كملازم بالجيش عمره 29 عاما، أن من ضمن الزعماء الذين يتخذهم قدوة له هو الرئيس الليبى الراحل "معمر القذافى".
زعم اختراعه علاج للإيدز وعقم النساء
لم يكن أمر تعهده بالبقاء فى السلطة مليار عام أغرب تصريحاته، بل زعم "جامع" فى 2007 أنه يمكن أن يعالج مرض نقص المناعة المكتسب الإيدز بالإعشاب، وهو ما تعارض معه الكثير من خبراء الصحة، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بى بى سى". كما ادعى أيضا أنه يمكنه علاج العقم لدى النساء.
يحيى جامع وزوجته زينب جامع
كما عرف "جامع" بمعارضته الشديدة للحقوق المكتسبة من المثليين، إذا أنه هدد بقطع رأس أى مثلى جنسيا.
وفى ديسمبر 2015، أعلن "جامع" أن بلاده باتت "جمهورية إسلامية"، نظرا لأن المسلمين يمثلون الأغلبية، ولإنهاء ما وصفه بالإرث الاستعمارى، متعهدا بأن يستمر معتنقو الديانات الأخرى فى ممارسة شعائرهم بحرية.
سجل حقوقى سئ
اتهمت جماعات حقوق الإنسان "جامع" بارتكابه انتهاكات جسيمة فى حق المعارضة والصحفيين. وقال تقرير لـ "بى بى سى" أن جامع أعلن فى عام 2013 أن جميع السجناء المحكوم عليهم بالإعدام سيتم إعدامهم، ولكن لم يتم تنفيذ الحكم على جميع السجناء بعد ضغوط من الاتحادين الأفريقى والأوروبى، وقد أعلن الأخير قطع المساعدات بشكل مؤقت للدولة الأفريقية الفقيرة بسبب سجل جامع الحقوقى.
كما سحب "جامع" بلاده من الكومنولث عام 2013، واصفا إياه بأنه استعمار جديد، علما بأن جامبيا نالت استقلالها عن المملكة المتحدة عام 1965.
وكان من المتوقع أن تهدد الأزمة الحالية السياحة فى جامبيا، الدولة ذات 1,8 مليون نسمة، والتى تعد الرافد الرئيسى لدخلها، وذلك بعد فرار آلاف السياح من البلاد، فضلا عن إصدار دول تحذيرات سفر إليها. كما أعلنت المفوضية العليا لشئون اللاجئين، التابعة للأمم المتحدة، عن هروب 45 ألف لاجئ بسبب الاضطرابات السياسية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة