واحة جغبوب 2

أواصل ما بدأته أمس الأول بالكتابة عن «واحة جغبوب» التى تنازلت عنها حكومة زيور باشا عام 1925 لتصبح ضمن أراضى برقة الليبية، وذلك فى سياق الجدل المحتدم الآن حول «تيران وصنافير».

 

بعد أن استقر رأى إيطاليا كدولة احتلال لليبيا على ضرورة الاستيلاء على «واحة جغبوب»، لسد منفذ حصول السنوسيين على السلاح من مصر، وإمداد المجاهدين بزعامة عمر المختار به، فكر «الطليان» فى تذليل عقبة أن هذه الأرض مصرية، وفى الوقت نفسه توجد دولة احتلال لمصر هى بريطانيا، وطبقًا لكتاب «سرقة واحة مصرية» للكاتب الصحفى محسن محمد، الذى يروى هذه القصة مدعمة بالوثائق، فإن إيطاليا وجدت الفرصة سانحة لها بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عام 1918، حيث قام أطراف هذه الحرب بالجلوس على مائدة التفاوض لتقسيم «الكعكة» فيما بينهم، وبالطبع فإن «الكعكة» كانت تمكين الدول الاستعمارية من مستعمراتها، بما فى ذلك اقتطاع أجزاء من دول، ومنحها لدول أخرى، وضغطت إيطاليا لتعديل الحدود الليبية المصرية.

 

بدأت المفاوضات حول ذلك بين بريطانيا وإيطاليا دون استشارة مصر، طبقًا لتأكيد محسن محمد فى «سرقة واحة مصرية»، ولأن مصالح الاستعمار تتلاقى، فإن بريطانيا وجدتها فرصة فى أن تلبى لإيطاليا غرضها مقابل أن تصرف إيطاليا النظر عن أى أطماع لها فى مستعمرات آسيا الصغرى، بالإضافة إلى اعترافها بالحماية البريطانية على مصر التى أعلنتها بريطانيا فى 18 ديسمبر 1914، أى مع بداية الحرب، ولم تعترف بها إيطاليا التى كانت فى المعسكر المضاد لبريطانيا، وطبقًا لهذه الأهداف الاستعمارية بدأت المفاوضات السرية التى- ومع تجهيز الطبخة والاتفاق على كل شىء بين إيطاليا وبريطانيا- كان لابد أن يتم وضع الحكومة المصرية فى الصورة، وحتى يكون هناك تبرير للصفقة لدى الحكومة تم القول بأن إيطاليا بهذا الوضع سيمكنها حماية حدود مصر من الناحية الغربية أمام أى معتدٍ، والغريب كما يشير محسن محمد أن الطرف الذى يهدد مصر فى هذه الآونة هو إيطاليا ذاتها باعتبارها من المعسكر المضاد لبريطانيا، وكان من الطبيعى أن بريطانيا كقوة احتلال لمصر هى الحامية لها، أى لا تسمح بتهديد مصر من أى جهة على حدودها بما فى ذلك الحدود الغربية، ورغم وضوح هذه المعادلة، فإن الحكومة صدقت ما قيل لها من تبريرات، فلماذا؟

وغدًا نتابع..