وصلتنى هذه الرسالة التحليلية التفسيرية المعمّقة المستشهدة بآيات القرآن الكريم، من طبيب مصرى مسيحى يعيش فى كندا، اسمه د. هانى شنودة، من أجل أن أرسلها بدورى إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر الشريف: يدًا بيد، أو بالأحرى: عينًا بعين، بما أنها وصلتنى بالبريد الإلكترونى، فقرأتها عيناى، وأنتظرُ بدورى أن تقرأها عينا فضيلة الشيخ. أو بالأحرى: قلبًا بقلب، بما أن الرسالة وخزت قلبى بنصل حادّ جرّاء ما يفعله التكفيريون والإرهابيون بإخوتى المسيحيين، ومن ثمّ أرجو أن يقرأها مولانا بقلبه، وليس بعينيه. الرسالةُ طويلة، لهذا سوف أنشرها على حلقات فى جريدة «اليوم السابع».. وإلى نصّ الرسالة:
فضيلة الإمام الأكبر الدكتور/ أحمد الطيب.
تحية طيبة وبعد.
أصبح «تجديد الخطاب الدينى» فى مصر ضرورة مُلحّة نتيجة لما تمر به بلادنا الحبيبة، بل والمنطقة العربية بأسرها من مخاطر داخلية وخارجية، وقد أناط سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى بفضيلتكم هذه المهمة التاريخية، وأنتم ولا شك كفؤ لها، وفى الصميم من هذا الخطاب تقعُ نظرةُ الإسلام «للآخر» المختلف فى العقيدة.
والسؤال الرئيسى فى هذا الخطاب: هل المسيحيون أهلُ كتاب أم كفار؟
فى السطور التالية سوف أطرح على سيادتكم بعض الأمور التى ربما تلقى بعض الضوء على الطريق المؤدى إلى إجابة ذلك السؤال.
1 - أتباعُ السيد المسيح، عليه السلام، والمؤمنون به كانوا يُدعون مسيحيين منذ وجود تلاميذه على قيد الحياة. ودليل ذلك هو الإنجيل نفسه، ففى سفر أعمال الرسل الذى يؤرخ لبداية المسيحية أو «فجر المسيحية» نقرأ: «ودعى التلاميذُ مسيحيين فى أنطاكية أولا»، أعمال 26:16. «فقال أغربياس لبولس بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا». أعمال 28:26. وفى رسالة الرسول بطرس الأولى: «ولكن إن كان كمسيحى فلا يخجل بل يمجد الله من هذا القبيل.» 1 بطرس 16:4.
إذن، ما هى النصرانية؟ ومن هم النصارى؟ النصرانية ليست إلا بدعة دخيلة على المسيحية انتشر أتباعُها فى شبه الجزيرة العربية سُموا «نصارى»، وانقسم أتباعها إلى فرق منهم اليعقوبية والأبيونية والنسطورية والملكانية، وهذه كلها هرطقات دخيلة لفظتها المسيحية منذ نشأتها.
2 - القرآنُ الكريم يكفّر قومًا قالوا: «إن الله َهو المسيحُ ابن مريم»، كما جاء فى سورة المائدة 17: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِى الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ». وفى المائدة 72: «قَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِى إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ». هذا القول يتوافق تمامًا مع السؤال الشائع: «من كان يدير الكونَ عندما كان المسيح على الصليب؟» القول والسؤال يعنيان انحصار الألوهية فى جسد المسيح، وهذا يختلف تمامًا عن الإيمان المسيحى الذى يُقرُّ بأن المسيح هو «الله الظاهر فى الجسد»، وأن هذا التجسد لا ينتقص من الله شيئًا، فهو يملأ الكون كله بلاهوته، وأن اتحاده بالجسد فى شخص المسيح لا يعنى على الإطلاق تحيزه بهذا الجسد.
3 - القرآن الكريم يكفّر قوما قالوا: «إن الله ثالث ثلاثة» كما جاء فى سورة المائدة 73: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ». ما هو المقصود بـ«ثالث ثلاثة»؟ القرآن نفسه يجيب عن هذا السؤال فى الآية 116 من نفس السورة: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِى وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ». المائدة 116. إذن فالقرآن يكفرّ تثليثًا من أب وأم وولد وهذا لا يؤمن به المسيحيون على الإطلاق. والنتيجة: القرآن يكفر هرطقات دخيلة على المسيحية الحقيقية، يرفضها المسيحيون أنفسهم.
وللرسالة بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة