لم يعد للمعارضة السياسية فى سوريا وزنا، ولم يبق لها ما تملكه عقب خمس سنوات من الخلافات والانقسامات على زعامة واهية، هذا التناحر فيما بينها أدى إلى تسليم زمام الأمور إلى الفصائل المسلحة التى استطاعت التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار مع الحكومة مؤخرا، واضحت – بلا خلاف - لها الكلمة العليا على الأرض وتستطيع الالتزام بأى اتفاق مستقبلى مع الحكومة السورية.
فمحادثات الأستانة التى تنطلق خلال ساعات بمثابة شهادة وفاة للمعارضة السياسية فى سوريا الغارقة فى خلافات داخلية، حيث يجلس على طاولة المفاوضات - وللمرة الأولى - وجها لوجه مع حكومة الرئيس السورى بشار الأسد وفد يمثل أكثرية الفصائل المسلحة والتى لها ثقل ميدانى وفى حالة اشتباك مباشر مع قوات الجيش السورى، وهو ما يعد تطوّراً مهماً فى مسار الصراع.
وعلى الرغم من أن المسار المرسوم سلفا لمحادثات الأستانة من قبل الأوصياء الدوليين فى موسكو وأنقرة وحتى طهران يؤكد أنها ستبحث فقط فى تثبيت وقف إطلاق النار، وكخطوة تمهيدية لمؤتمر جنيف 3 المنتظر التئامه فى 8 من الشهر المقبل لبحث التسوية السياسية، إلا أن محادثات اليوم ستلقى بظلالها على أى خطوات مستقبلية.
مؤشرات عديدة تؤكد أن النظام السورى قد يرى فى أستانة فرصة جديدة ليجد مفاوضين قادرين على اتخاذ زمام الأمور بخلاف من جلس معهم سابقا سواء من الهيئة العليا للمفاوضات أو الائتلاف السورى، ومن خلال الحل العسكرى تنفذ التسوية السياسية، والدليل على ذلك اختيار النظام للسفير بشار الجعفرى مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة لرئاسة وفدها للمفاوضات.
وهو دبلوماسى وسياسى مخضرم خاض على مدار 6 سنوات مئات المعارك السياسية ما بين قاعات الأمم المتحدة دفاعا عن سوريا، وهى مفارقة قوية لاختيار شخصية بتلك السمات للخوض فى مفاوضات من المفترض أنها ذات طابع عسكرى ومع فصائل مسلحة، مما يؤشر على المحادثات داخل الغرف المغلقة فى العاصمة الكازخستانية قد تخوض فى تفاصيل مغايرة لما هو معلن عنه فقط.
القوة العسكرية على الأرض أكدت منذ اندلاع الأزمة أنها الورقة الرابحة وما عداها بلا جدوى، وهو الدرس الذى استوعبة النظام السورى وربما القوى الدولية التى احتضنت المعارضة السياسية وأخفقت فى نهاية المطاف لإدارة الأزمة، حيث تم اختبارها فى جنيف 1 وجنيف 2 و كان هناك دوما تباين فى الآراء بين السياسيين والمسلحين ينتهى بالغلبة للطرف الأخير، وعقب اجتماعات ومفاوضات وجهود دولية وكُلفة إنسانية تحملها الشعب السورى فشل السياسيين فى إرساء قواعد تسوية سلمية.
فالهيئة العليا للمفاوضات والتى تضم أكبر تجمع سياسى للمعارضة السورية تحظى بتراجع كبير وخاصة على مستوى الدولى وانقسامات داخلية تهدد بنيانها، حتى أنها لم تعد محتكرة للشرعية كما كان فى السابق، فضلا عن خروج عدد من الفصائل المسلحة من تحت مظلتها، مما جعل خياراتها محدودة ولم تعد تمتلك أدوات للمناورة والضغط السياسى، وهو ميزة أخرى تضاف للفصائل المسلحة.
واليوم إذا أدت أستانة إلى مخرجات ونجح كلا الطرفين النظام والفصائل المسلحة فى العبور من خلالها نحو جنيف 3، فمن غير المتوقع أن يكون هناك للمعارضة السياسية وزن بعد أن فشلت فى فرض كلمتها، ووقتها سيكون على السياسيين التنحية جانبا وإفساح المجال لمن له سطوة فى الميدان.
عدد الردود 0
بواسطة:
زائر
غالباً
غالباً وإن لم يكن أكيداً فإن هذا ما فكر فيه وفعله السادات الله يرحمه ، يحقق انتصاراً بالقوة العسكرية ثم بعد ذلك يأتي دور السياسة ، فليس بالحرب فقط تستطيع تحقيق الحل النهائي ولا بالسياسة فقط تستطيع تحقيق الحل النهائي ، ولكن حقق نصراً عسكرياً أو بالقوة أولاً ثم بعد ذلك بالسياسة والتفاوض والنفس الطويل تحقق الحل النهائي .