تناست الحكومة فى أواخر عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك أن هناك سوقًا أفريقيًا كبيرًا وواعدًا تربطنا به اتفاقيات تجارية متنوعة مثل الساداك والكوميسا وشرق أفريقيا، والنتيجة أن السوق الذى كان "خام" يحتاج إلى السلع والمنتجات والتكنولوجيا بات ملعبًا مفتوحًا للعديد من الدول البعيدة عنه التى استغلت فراغه بما يساهم فى زيادة الصادرات الخاصة بها.
وبشكل قاطع أثرت السياسة على الاقتصاد فتجاهلت الحكومة أهمية فتح السوق الأفريقى أمام الصادرات المصرية رغم وجود المجالس التصديرية ومجالس الأعمال ومكاتب التمثيل التجارى، والدور الرئيسى لها التصدير وتسهيل مهمة رجال الأعمال.
وبعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى سدة الحكم تغيرت النظرة، ولمَ لا وأول زيارة خارجية قام بها الرئيس كانت لعدد من دول القارة ما أعاد إلى الأذهان مجد عبد الناصر القديم فى دول القارة والمكانة الكبيرة لمصر فيها.
الرئيس وجه الحكومة بضرورة التوجه إلى القارة شكلاً وموضوعًا، وبالتالى بدأت الحكومة فى السعى لاستعادة مكانة مصر مجددًا، والسعى لفتح أسواق جديدة فى القارة.
والسؤال كيف يمكن للحكومة النجاح فى القارة فى ظل المنافسة الدولية؟
الإجابة تقتضى أن تحدد الحكومة ممثلة فى وزارة التجارة والصناعة وأيضاً وزارة الاستثمار خطتها فى القارة وأهدافها على المستويين القريب والبعيد.
الأهم أن تركز وزارة التجارة على الدول الغنية نوعًا ما، ومثلاً لا يمكن قبول قيام الوزارة بفتح مكتب تمثيل تجارى فى دولة مثل جيبوتى تعتمد على المنح والمساعدات وتترك دول الشرق الأفريقى الغنية.
وإذا أرادت وزارة التجارة والصناعة الاستفادة بشكل مباشر من القارة عليها أولاً التوجه إلى دول الشرق الأفريقى القريبة من الساحل، ومن نهر النيل ومنها كينيا وأوغندا ورواندا وبورندى والكونغو وزامبيا ثم أنجولا، لأن نقل البضائع لها لا يتجاوز أسبوعًا فى حين نقل البضائع لدول الغرب الأفريقى يحتاج إلى 45 يومًا تقريبًا.
لابد أن يكون التوجه لأفريقيا شرقًا بالدرجة الأولى وليس غربًا لاعتبارات عديدة أولاً حوض وادى النيل، ثانيًا قرب المسافة من ناحية النقل، ثالثًا أنها دول ضمن اتفاقية الكوميسا، وفيها مزايا جمركية للمنتجات المصرية.
إذن التوجه إلى الشرق الأفريقى مهم للغاية لتسهيل نقل البضائع والانطلاق منها إلى الغرب الأفريقى وأيضًا الاستفادة من نهر النيل بشكل كبير فى النقل هذا فى المرحلة الأولى.
وتزامنًا معها لابد من توسيع التجارة مع دول الشمال الغربى الأفريقى بداية من ليبيا إلى الجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا.
والسؤال هل تأخرت الحكومة فى التوجه بالصادرات المصرية بشكل مكثف إلى أفريقيا باعتبارها من الأسواق المهمة والتى تربطنا بها علاقات قوية؟
الإجابة نعم.. تأخرنا كثيرًا فى الاستفادة من استغلال السوق اللأفريقى الكبير فى تسويق المنتجات والصناعات المصرية ما دفع دول أخرى إلى استغلال السوق بشكل كبير للغاية، وبالأرقام فإن صادرات مصر إلى القارة لا تتجاوز سنويًا 1.2 مليار دولار فى حين تستورد دول القارة بـ278 مليار دولار سنويًا، كما أن دول شرق أفريقيا تعتبر المستورد الأفريقى الأول من دول العالم بإجمالى صادرات تصل لـ86 مليار دولار سنويًا، إلا أن إجمالى الصادرات المصرية إليها لا تتجاوز 620 مليون دولار سنويا.
وهذا يدل على البعد الكبير للمنتجات المصرية عن القارة وتمثل فقط نحو أقل من نصف بالمئة من واردات القارة ونحن فى قلبها من خلال نهر النيل والعلاقات التاريخية.
وإذا كانت أرقام صادرات العام الماضى تحسنت بشكل نسبى حيث بلغت الصادرات لدول الكوميسا 18 دولة بخلاف مصر نحو 1.4 مليار دولار، بلغت الصادرات الإجمالية لقارة أفريقيا نحو 2.8 مليار دولار، إلا أنها لا تمثل إلا 1% فقط من السوق الأفريقى.
وإذا كانت الحكومة تتخذ من المجالس التصديرية ومجالس الأعمال ذراعًا للتوغل فى القارة، فلابد أيضًا أن تراقب الحكومة أداء بعض المجالس التى تحولت إلى السعى للحصول على دعم الصادرات بغض النظر عن حجم الصادرات، بل وتسعى لانفاق ما تحصل عليه فى مجاملات ومطبوعات لا يقرؤها أحد ما يستدعى رقابة الحكومة عليها بشكل قاطع، ومراجعة ميزانيات هذه المجالس وأعداد من يتم سفرهم فى المعارض الدولية وأغلبها يتم بالمجاملة.
ولا شك أن أموال المجالس التصديرية هى أموال عامة ما يستدعى الرقابة عليها وعدم إنفاقها فى غير مواضعها خاصة أن أرقام الصادرات للعديد من المجالس لا تقارن بحجم الدعم المقدم لها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة