فى ظروف بيئيةٍ صعبةٍ، عاشت السلحفاة البحرية "الترسة" فى محافظة الإسكندرية لعقود طويلة، ولم يعد التلوث الخطر الوحيد الذى يهددها بالانقراض بل أصبح صيدها هدفا لدى بعض المخالفين للقانون الذين يسعون للربح السريع من جراء الحصول عليها وذبحها لبيع لحمها ودمها لهؤلاء الراغبين في تعزيز قدرتهم الجنسية، واولئك الذين يؤمنون بدورها في معالجة النحافة و القضاء عليها في اسرع وقت، بخلاف الدجالون الذين يشترون "الصدفة" الخاصة بها لاستخدامها فى أعمال السحر والشعوذة، هذا الاقبال الكبير علي شراء لحوم ودماء وصدفة السلحفاة البحرية ادى الى ارتفاع سعرها ليتراوح من 800 إلى 1200 جنيهًا للسلحفاة الواحدة.
السلحفاة تسبح الى الماء
فى سوق الميدان.. أشهر أسواق الإسكندرية لبيع "الترسة"
فى محاولة لمعرفة حقيقة الأمر، وحجم تجارة حيوان الترسة، اتجه "اليوم السابع" إلى سوق الميدان، أشهر أسواق الإسكندرية لبيع حيوان الترسة، وبينما ظهرت تجارة الأسماك بشكل طبيعى مع غياب كامل لـ"الترسة"، أكد بعض رواد السوق والعاملين فيه بيعها بشكل غير معلن، نظرًا لأنه عمل غير مشروع، مشيرين إلى أنه يتم الحصول على لحمها ودمها بالحجز المسبق، ولأشخاص معروفين لدى البائعين، خوفًا من إلقاء القبض عليهم والتعرض للمساءلة القانونية، كما يتم إخفاؤها فى مخازن معروفة لديهم.
الناشطة البيئة مى حمادة
أهالى بحرى: دمها يقوى المناعة ولحمها لذيذ ولا بد من عدم لمسة باليد
الحاج السيد أحمد السيد وشهرته "البربرى"، أحد كبار صيادى منطقة بحرى، يقول إنه تناول دم الترسة مرة واحدة فقط، إلا أنه لم يؤثر عليه سواء بالسلب أو الإيجاب، إذ لم تتحسن صحته، ولم يحدث له أذى من شرب الدم، واصفا تلك المعتقدات بـ"الكلام الفارغ".
فى السياق ذاته، قال إبراهيم فهمى، أحد سكان منطقة بحرى ومن هواة الصيد، إن كيلو لحم الترسة يباع بسعر يتراوح بين 80 و100 جنيه، مشيرًا إلى أن تداولها بالسوق يعتمد على فرص صيدها، إذ يتم اصطيادها بالصدفة، ولكنها متداولة بشكل كبير فى سوق الميدان، موضحا أن هناك اعتقادا بأن دم الترسة يؤدى لزيادة الوزن، ولكن لحمها لذيذ، قائلا: "طعمه جميل جدا إذا أُحسن طبخه وإعداده، ويتم طهيه بمختلف الطرق، سواء طاجن أو مشوى أو مقلى، بشرط ألا تلمسه باليد حتى لا يفسد اللحم، إذا لمسته باليد لحمها بيزفّر"، وهناك بعض أهالى بحرى القدامى لديهم خبرة فى طريقة الطهى الصحيحة دون اللمس بالأيدى.
ويقول محمد عمر، أحد سكان بحرى، إن سوق الميدان مشهور بذبح وبيع الترسة، خاصة عند حصول الصيادين عليها، وحول شرب الدم قال: "سمعت أنه شفاء لأحد الأمراض، ولذلك يقبل الأهالى على شرائه، ولكن لا أعلم ما هو المرض".
فيما يقول ياسر محمد أحمد، أحد صيادى بحرى، إنه لم يجرب تناول لحم الترسة قبل ذلك، إلا أن سوق الميدان اشتهر بذبح الترسة بشكل دورى، وهناك إقبال كبير على شرب دمها، اعتقادا بأنه علاج لعديد من الأمراض، إذ يقوى مناعة الجسم وله أثر المقويات والفيتامينات، على حد قوله، لافتًا إلى أن الصيادين يحصلون عليها من خلال عمليات الصيد.
حملة ضبط 9 سلاحف ببحرى
مصر البلد الوحيد الذى يأكل لحم الترسة ويشرب دمها
من جانبها، قالت مى جواد حمادة، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان والحياة البرية، إن أهم أسباب الصيد الجائر للترسة والاتجار غير المشروع فيها بالإسكندرية، هو الاعتقاد الشعبى السائد بأن دمها يقوى القدرة الجنسية، أو يساعد من يعانون من النحافة على زيادة الوزن، فيشرب البعض دمها فور ذبحها، إضافة إلى أكل لحمها بعد طهيه بطريقة معينة، ويقترب طعم لحم السلحفاة للحوم أكثر من الأسماك، وهى ذات طعم غير مستساغ إلى حد ما، ولذلك يجب عدم لمسها بالأيدى مباشرة، إضافة إلى استخدام الصدفة الخاصة بالسلحفاة من خلال طحن أجزاء منها واستخدام البودرة فى أعمال السحر والدجل والشعوذة.
وكشفت مى حمادة، عن أن مصر البلد الوحيد الذى يأكل لحم الترسة، وفى البلدان الأخرى يتم صيدها لاستخدام جلدها والصدفة الخاصة بها فى عدة صناعات، مثل الصين التى تستخدم الصدفة فى صناعة "النظارات" وبعض المصنوعات الجلدية من جلد الزعانف وبعض الإكسسوارات والتحف، مشيرة إلى أن أهم أسواق بيع "الترسة" بالإسكندرية هو سوق الميدان بمنطقة بحرى، الذى يحتوى على عدد من التجار المتخصصين فى بيعها منذ سنوات، ويتم الذبح وبيع اللحوم فى كل يوم جمعة، ويكون الحصول على لحم الترسة أو دمها بالحجز المسبق، لافتة إلى أن "الترسة" 7 أنواع فى العالم، 5 منها تمر بالسواحل المصرية بالبحرين الأحمر والمتوسط، فالسلاحف تتواجد فى كل شواطئ العالم عدا المناطق القطبية، وكل أنواعها مهددة بالانقراض بدرجات متفاوتة.
خلال ضبط السلاحف قبل ذبحها
اتفاقية تحريم الاتجار فى الحيوانات المهددة بالانقراض
وفيما يخص الجانب القانونى، أكدت مى حمادة، أن صيد السلاحف البحرية محرم وفقا للقانون المصرى، إذ وقعت مصر على كل الاتفاقيات الدولية التى تحرم صيد السلاحف البحرية حفاظا عليها من الانقراض، مثل اتفاقية "السايتس" عام 1975، التى تحرم الاتجار بالحيوانات المهددة بالانقراض.
وحول الصيد الجائر للسلاحف البحرية، قالت مى حمادة، إنه لا توجد طرق معينة لصيدها، ولكنها تخرج فى الشباك بالصدفة، فيبيعها الصيادون للتجار، أو يتم صيدها خلال توجه الأنثى للشاطئ لوضع البيض، لافتة إلى أن أحد الأسباب الأساسية لانقراضها هو أنه لا يوجد مكان محدد لتقابل الذكر والأنثى للتزاوج، ولكن يتم التقابل صدفة فى سن التزاوج الذى يبدأ عند بلوغ الأنثى 30 سنة، كما أنه لا يمكن التزاوج بين السلاحف من الأنواع المختلفة، إضافة إلى المخاطر التى يتعرض لها البيض الذى وضعته الأنثى على الشاطئ، وتعرضه للالتهام من الحيوانات الأخرى، خاصة الطيور البحرية أو الإنسان.
خلال عملية الاطلاق
حملات لإطلاق السلاحف البحرية
وطالبت مى حمادة بوقف الاتجار بالسلاحف، مؤكدة أن شرطة المسطحات المائية، بالتعاون مع وزارة البيئة، تتحرك بسرعة حال تقديم بلاغات، متابعة: "تقدمنا ببلاغ ضد أحد التجار فى سوق الميدان، وتم ضبط 9 سلاحف وإطلاقها فى البحر من منطقة كوبرى ستناللى، وتم تكوين فريق مكون من 4 أفراد يعمل على إعادة السلاحف لبيئتها الطبيعية، وشارك الفريق فى إطلاق 33 سلحفاة خلال 3 سنوات، ونحن مجموعة من الناشطين نسعى لجمع السلاحف التى يتم صيدها، وأحيانا نضطر إلى شرائها من الصيادين أو التجار، ونجرى عمليات تأهيلية لها لمدة يومين، ثم نطلقها فى مياه البحر".
خلال وزن السلاحف
شرطة المسطحات المائية تشن حملات على الأسواق لضبط التجار
فى السياق ذاته، قال النقيب عصام الروبى، من ضباط شرطة المسطحات المائية بالإسكندرية، إن الإدارة تنسق مع جهاز شئون البيئة لتنظيم حملات دورية على الأسواق لضبط الاتجار فى جميع أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض، تنفيذًا لقانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 المادة 28، إذ تصل العقوبة للحبس 3 سنوات وغرامة من 5 آلاف إلى 50 ألف جنيه، ومصادرة الحيوانات ثم إطلاقها إلى بيئتها الطبيعية.
وأوضح "الروبى" فى تصريح خاص لـ"اليوم السابع"، أنه تم إطلاق حملة على سوق الميدان وحلقة السمك فى منطقة بحرى، وتم خلالها ضبط 9 سلاحف والقبض على اثنين من أكبر التجار فى هذا المجال.
سوق الميدان ببحرى
جهاز شئوون البيئة والتعامل مع السلاحف
فيما أكدت المهندسة هدى مصطفى، رئيس جهاز شؤون البيئة بالإسكندرية، حرص الجهاز على ضبط كل من تسول لها نفسه الاتجار غير المشروع فى الحيوانات المهددة بالانقراض، لافتة إلى أنه يتم التنسيق مع شرطة المسطحات المائية فى هذا الشأن، وتنظيم حملات على الأسواق ومحلات بيع الحيوانات، وفى حالة ضبط حيوانات مهددة بالانقراض يتم إما اطلاقها إلى بيئتها الطبيعية كما فى حالة السلاحف، أو إهداؤها لحديقة الحيوان.
ضبط احد تجار السلاحف
رأى الشرع فى شرب دماء الترسة
وحول رأى الدين الإسلامى فى شرب دم حيوان "الترسة" البحرى، يقول الشيخ أبو المعارف أحمد، رئيس قسم الثقافة فى إدارة أوقاف غرب الإسكندرية، إن الدين الإسلامى يحرم شرب دمها، إلا أنه يُحلّ أكل لحمها، موضحًا أنه يجوز أكلها، لقوله تعالى فى سورة المائدة الآية 96: "أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ"، ووفق الحديث النبوى الشريف فى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ".
وأكد رئيس قسم الثقافة فى إدارة أوقاف غرب الإسكندرية، فى تصريح لـ"اليوم السابع"، أن شرب أى دم حرام، مستندًا فى ذلك لقول الله تعالى: "حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ"، وغيرها من آيات القرآن الكريم، لافتًا إلى أن حرمة شرب الدم تأتى من أقوال العلم بأن شرب الدم أو طبخه يؤدى إلى أضرار كبيرة للغاية، بسبب ما يحويه من الجراثيم، إذ يكون محمّلا بغاز ثانى أكسيد الكربون، ووجود هذا الغاز يؤدى لأضرار صحية بالغة، والنبى صلى الله عليه وسلم استثنى نوعين من الدم فقط، هما الكبد والطحال، وما عدا ذلك فهو محرم، مستنكرًا الخطأ الشائع من أنها تشفى الأمراض، إذ يقول الحديث النبوى الشريف: "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم".
طريقة حمل السلاحف
فريق الاتقاذ
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة