سنوات كثيرة كان هناك استقرار أن الانتخابات وصناديق التصويت هى الطريقة الوحيدة للممارسة الديمقراطية.. لكننا مع تحولات أدوات الإعلام والتسويق والدعاية والتواصل، لم تعد الصناديق وحدها قادرة على إقناع الجمهور بالنتائج.. ملايين الأمريكيين يتظاهرون ضد الرئيس دونالد ترامب.. ورد عليهم: لماذا لم تذهبوا للانتخابات قبلها خرج ملايين البريطانيين يبدون الندم والحزن على تصويت أخرج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.. ربما لايكون 5 ملايين متظاهر عددًا كبيرًا، لكن السؤال يبدو منطقيًا، كأنهم يرفضون صناديق، كانوا يقنعون بها العالم.
قد لاتبدو المقارنة عادلة بين عالمنا الثالث، ودول مثل أمريكا وأوروبا ديمقراطيات مستقرة تبحث عن تطوير.. وما زلنا فى مراحل التجريب، نعانى من كل الأمراض السياسية والتشريعية، لكن تظل السياسة ممارسة وتفاعلا ومناورات ووجهات نظر.. يبقى التشابه، فى قطاعات تمتلك صوتا مرتفعا على أدوات التواصل والإعلام، تكون غير قادرة على التغيير أو الفعل.
من يتابع الإعلام الأمريكى وبعض الغربى طوال فترة المنافسة الانتخابية بين ترامب وهيلارى، يكتشف أن أغلبية هذا الإعلام كانت منحازة للديمقراطيين، ومعها قطاع من أدوات التواصل، فقد ظلت هذه الأدوات تنشر استطلاعات رأى وتحليلات وإحصائيات تتوقع فوزا كاسحا لهيلارى كلينتون.. ولما خسرت مرشحة الديمقراطيين، لم تتوقف الاحتجاجات، ولم تراجع هذه الوسائل نفسها وتعترف بأخطاء الاستطلاعات والتحليلات.
كشفت نتائج الانتخابات الأمريكية والتصويت البريطانى للخروج من الاتحاد الأوروبى، أن الانتخابات ليست أمرا بعيدا عن تأثيرات المال والإعلام وأدوات التأثير المختلفة.. وأن الإعلام ليس دائما عادلا، أو موضوعيا، وله انحيازاته، التى تعبر عن مصالحه.. والأهم هو أن الصوت الأعلى فى الواقع، لا يمتلك قوة التأثير، ما لم يجد لنفسه طريقا لصناديق الانتخابات.
وإذا طبقنا هذه المقاييس على حالنا، نكتشف أنه بعد 25 يناير، التى تحل ذكراها السادسة.. كثيرا ومع كل انتخابات، كانت التيارات، التى تحسب نفسها فى قيادة التغيير، تقاطع الانتخابات، ثم تعود لتعترض على نتائجها.. وكلما جاء أوان الانتخابات أعلنوا نيتهم فى الانسحاب، وآخر مثال الانتخابات التشريعية.
ويمكن تقبل فكرة الانسحاب، لو كان موقفا تكتيكيا، ويكون دعاة المقاطعة جربوا الانتخابات وتعرفوا على ضرورات العمل السياسى، لكنهم يمتلكون الصوت «الحنجرى»، ويرفضون توظيف الصوت الانتخابى، المفارقة أن الانتخابات نجحت فى النوادى والنقابات، حتى لو كانت لها عيوب.. وكان يمكن لمن اعتادوا المقاطعة أن يتعلموا أن الديمقراطية تصنع تفصيلا، ولا نماذج جاهزة، أو شتلات نزرعها فتطرح ديمقراطية.